تشكل مبادرة السعودية بقيادة قوة عربية لتوجيه ضربة للحوثيين في اليمن خطوة جديدة في السياسة العربية المشتركة؛ إذ إن ثمة قوة عربية موحدة على الصعيد العسكري تقوم بتوجيه ضربات عسكرية لخصم يعتقد المشتركون بأنه مشترك لهم جميعاً ويشكل تهديداً لمصالحهم ولأمنهم القومي ولأمن منطقة الخليج.
ورغم التردد والتلعثم الذي رافق تشكيل القوة العسكرية تحت إمرة سعودية؛ خاصة ما قيل عن رفض بعض الجيوش العربية المشاركة وطلب البعض المشاركة بقوة محدودة، فمن المؤكد أن فكرة تشكيل قوة مشتركة توجه ضربات مشتركة تعبر عن موقف سياسي موحد من صراع دائر على الأرض، هي بحد ذاتها تتويج لنضوج – ربما - في الوعي السياسي الذي وقف خلف بلورة الموقف من اللحظة السياسية والأمنية الراهنة في الخليج.
ويربط الكثيرون بين تشكيل القوة التي سميت عاصفة الحزم وبين تطلعات الملك السعودي الجديد، الذي بدأ سياسة صقورية واضحة في التعامل مع أرمات منطقة الخليج تحديداً، ومن الواضح أن ثمة امتداداً مرتقباً لهذه الصقورية على مواقفه من الصراعات العربية العربية.
ويمكن للتغيرات التي أجراها داخل الأسرة الحاكمة، خاصة تغيير ولي العهد وبعض قادة الجيش، أن تعكس طبيعة شخصية الملك الجديد، وهي طبيعة من المؤكد ستجلب الكثير من الانتقاد من جهة، لكنها تعكس حزماً ما في التعاطي مع القضايا التي يؤمن بها، ورغم ما في ذلك القول من تسرع في الحكم فإن المؤكد بأن سياسة الملك الجديد ستحمل الكثير من التغير في سياسة المملكة التقليدية التي أسس لها الراحل الملك عبد الله.
وقد يستدعي هذا افتراق المملكة عن الكثير من مواقفها التاريخية، وربما زعزعة بعض الاستقرار الذي تمتعت به علاقاتها مع بعض الحلفاء التاريخيين، وتحديداً الولايات المتحدة التي ستري في أي تغير في سياسات المملكة بعيداً عن التنسيق المسبق معها تمرداً لا ترغبه، ونذير شؤم حول المزيد من التطورات التي ستفاجئ صانعي السياسة الشرق أوسطية في دوائر واشنطن، ولن يقتصر الأمر على واشنطن بل إنه سيمس عواصم هامة مثل لندن تحديداً، صاحبة اليد الطولي في التحالف الخليجي الغربي، والتي قد تجني ربما من افتراق الرياض عن واشنطن، خاصة في تطوير بعض المقاربات السياسية المختلفة التي هي في صلب اهتمام السياسة البريطانية.
وسيحمل هذا تطوراً آخر في علاقات السعودية الإقليمية وخاصة مع المحاور الكبرى في الإقليم، وربما ظهر أول بوادر التوتر في تلك العلاقات في استنفار طهران وقولها بوجود تحريض طائفي ونزعة طائفة في سياسات السعودية الجديدة، وبالطبع الخوف من اندلاع مواجهة بين إيران ذات القوة الأكثر بطشاً وبين السعودية وحلفائها.
الجانب الآخر في خارطة التحالفات الإقليمية يتعلق بمصر التي لا يروقها مقاربات الملك الجديد للإسلام السياسي، فهو من جهة يرى ضرورة إعادة محاولة احتواء الإخوان؛ لأن استقرار المنطقة العربية يتطلب ذلك، وهو بالتالي يتطلب ضمناً من الرئيس السيسي تغيير مواقفه وتخفيف حدة حربه على الإخوان، وهذا ما يخلق توتراً خفياً مع القاهرة كما مع الإمارات، لكنه في الوقت ذاته لا يخلق تقارباً مع قطر التي تري في نفسها المنافس على صدارة السياسة الخليجية، وتظل أنقرة جزءاً هاماً من هذا النقاش؛ حيث إن الأتراك لن يفضلوا أي بزوغ لمواقف عربية مختلفة عن النسق السائد؛ لأن من شأن هذا أن يهدد حالة الاستقرار التي تعيشها المصالح التركية في المنطقة.
ولكن يظل السؤال الحقيقي حول جدوى السياسة السعودية الجديدة، فرغم أن ثمة جهوداً مشتركة لتوجيه ضربات عسكرية مشتركة لخصم مشترك فليس من المؤكد بأن الكثيرين يتفقون على هذه الفكرة؛ إذ إن البعض رأي فيها تسرعاً من قبل السعودية في الاستجابة للتهديد القادم من الجنوب، سيما أن الكثير من القضايا والتهديدات التي تهز أعماق المنطقة العربية لم تلق أي استجابة مماثلة، بل إن الأطراف العربية المختلفة تبدو أطرافاً متقاتلة في بعض الصراعات الجارية في المنطقة خاصة في سورية وليبيا، وإن ثمة صراعات ونزاعات كانت تقتضي موقفاً عربياً موحداً منذ عقود مضت دون أن تجد آمال الجماهير العربية آذاناً صاغية عند قيادتها، وهنا يدور الحديث عن فلسطين التي ضاعت بسبب ضياع الموقف العربي الموحد.
إن مراجعة عسكرية لنتائج عاصفة الحزم تعكس ربما الكثير من الخيبات رغم بعض ما قد يقال عن بعض الإنجازات التي تحققت، خاصة في وقف تقدم الحوثيين تجاه الحدود السعودية، وبالتالي فرض حالة من الهدوء في الصراع اليمني الداخلي تحديداً.
إن من المؤكد أن الجيوش العربية عامة تعاني من أزمة واضحة في تطوير قدراتها وإعداد جيوشها لمعارك حقيقية، ولن يتحقق هذا دون جملة من السياقات التي تجعل عملية التسليح عملية محلية بحتة، وتعتمد على تنوع مصادر السلاح واختلاف مشاربه.
وربما الأهم من كل ذلك وجود عقيدة أمنية عربية موحدة فيما يتعلق بالتهديدات الخارجية، تتطور وفقها الحاجة لقوة عربية مشتركة ذات أهداف محددة وممكنة التنفيذ، ويصار إلى تطوير القدرات العسكرية العربية وفق هذه العقيدة.
إن الأساس ليس عاصفة الحزم بل حزم العاصفة، حيث إن صوغ مواقف مشتركة ومقاربات متوافقة هو أساس تطوير تدخلات موحدة، حتى لا يبدو أي فعل عربي مشترك موطن خلاف آخر في السياسة العربية مدمنة الخلافات، وفي كل ذلك يجب أن تظل القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى والأخيرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية