بعد إعادة إعتقال أبطال سجن جلبوع الأربعة في مدينة الناصرة , إنهالت الإتهامات من غزة الى الناصرة على صفحات الفيسبوك , وخاصة من أتباع أحزاب الإسلام السياسي في غزة , بسبب وقوع الأسرى الأبطال بيد الإحتلال , وعادت الكرة مرة أخرى عندما تم إعتقال الأسيرين الآخرين من جنين , بل وزادت المزاودات والإتهامات من أتباع الإسلام السياسي في غزة ومن يوافقهم الرأي على جنين , وذلك بسبب وقوع الأسرى بيد الإحتلال , وهذا أمر إن دل فهو يدل على العنصرية والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد , ويدل على توغل الإنقسام الأسود , ولا يبشر بالخير..

هناك عنصرية واضحة بالقول والفعل بسبب "الإنقسام والإحتلال" وهذه العنصرية تتغذى على عدم الخبرة الكافية بين صفوف اللذين ينشرون على الفيسبوك ليلاً نهاراً دون مراعاة قواعد وأدبيات النشر , ودون معرفة ظروف الطرف الآخر , وقبل أن أدخل في تفاصيل واقع المقاومة في الضفة وغزة والفرق بينهما , أود أن أذكر أصحاب بوستات العنصرية العمياء , أن العملاء اللذين سلموا الأسرى السته في الناصرة وجنين , لا يختلفون عن العملاء اللذين سلموا رقاب المطلوبين للإحتلال في غزة وتم إغتيالهم , ولا يختلفون عن العملاء اللذين سلموا خرائط كاملة للأنفاق في غزة , ولا يختلفون عن العملاء اللذين سلموا ورشات تصنيع ومخازن للسلاح وأماكن سرية للمقاومة في غزة , فللاسف العملاء هم العملاء , وهم منتشرين في كل مكان في فلسطين , فلولا العملاء في غزة لما تمكن الإحتلال من إغتيال خيرة قيادات المقاومة , ولولا العملاء في الضفة ومناطق 48 لما تمكن الإحتلال من أسر أبطال سجن جلبوع السته .

وفي هذا المقام يجب أن نعرف جيداً أن المقاومة هي المقاومة سواء في غزة أو الضفة أو في عرب 48 أو حتى في الشتات , فكل يقاوم حسب إمكانياته المتاحة , والجغرافيا التي يقف عليها , ففي غزة المقاومة منظمة بسبب أن غزة مساحة جغرافية ضيقة وخالية من الإحتلال , فهي عبارة عن ألوية وكتائب وسرايا منظمة تأخذ شكل الجيش المنظم , وهي مدعومة مادياً من الخارج , ومدعومة من الداخل أيضاً , بمعنى أن شباب غزة ينضمون الى سرايا وكتائب المقاومة كوسيلة وحيدة ومتاحة لهم كطريقة منظمة للنضال من جهة , وكمصدر للعيش من جهة أخرى , فالمقاومة في غزة تعطي رواتب لأبنائها كما تفعل الجيوش النظامية بأي دولة , وزد على ذلك أن الدخول في الأجنحة العسكرية في غزة يعتبر مدخل للحصول على وظيفة وإمتيازات أخرى , فالإنتماء لفصائل المقاومة في غزة أصبح مدخلاً للوظيفة , أو يكون بحد ذاته وظيفة , ولهذا السبب المقاومة في غزة تتطور بسرعة , وخاصة بعد الإنسحاب الأحادي الجانب للإحتلال في غزة عام 2005 , بهدف الإنفراد بإحتلال الضفة تدريجياً وفرض أمر واقع يفصل بين الضفة وغزة .

أما المقاومة في الضفة فهي تأخذ الشكل الفردي والغير منظم , وذلك بسبب جغرافيا الضفة المعقدة , وبسبب المستوطنات والحواجز والجدار , فهي عبارة عن خلايا متفرقة , قد تلتحم في الوقت اللازم وتتفرق في الوقت اللازم أيضاً , فطبيعة البيئة والأرض هي التي تتحكم فيها , ورغم ذلك فهي لا تكل ولا تمل , فكل يوم نسمع بعمليات دهس وطعن وإطلاق نار على المستوطنات وحواجز الجيش , وغير ذلك هناك إلتفاف شعبي وجماهيري في الضفة يتواجد في كل المواجهات سواء في القدس أو في الخليل أو في جنين أو في نابلس ...إلخ , والأمر المهم والذي يحسب لشباب الضفة الغربية الثائر , هو أن الشباب في الضفة يتركون الوظائف والعمل المتاح في الضفة والعمل المتاح في إسرائيل , ويوهبون أنفسهم للوطن بشكل منفرد , وحتى في ظل عدم وجود دعم مادي للمقاومة في الضفة , وعدم وجود حاضنة منظمة كما في غزة , فهؤلاء الشباب يقاومون من أجل الوطن بإمتياز .

إن الضفة تقاوم وغزة تقاوم وأراضي 48 تقاوم والشتات يقاوم , ولكن الجفرافيا تختلف , والظروف تختلف , والإمكانيات تختلف , والثقافة تختلف , وفي المقابل لا فرق بين العميل في جنين والناصرة الذي سلم الأسرى الأبطال , وبين العميل في غزة الذي سلم رقاب المقاومين , فالخيانة حالة شاذة ولكنها في كل مكان , والبطولة حالة عامة وهي أيضاً في كل مكان .

كاتب ومحلل سياسي – فلسطين - غزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد