انتهت يوم أمس، أضخم عملية أمنية تشنها إسرائيل منذ عقود للبحث عن أسرى نفق الحرية، لكي تبدأ المساءلة والتحقيقات والانتقادات إزاء الفشل الأمني الكبير سواء فيما يتعلق بنجاح ستة أسرى مناضلين في الخروج من «الخزنة»، أو فيما يتعلق بعملية البحث عنهم.
لن تفيد إسرائيل التحقيقات المرفقة بتعذيب للأسرى في أن تصل إلى الحقائق، فالحديث يدور عن أبطال وقادة يتمتعون بإرادة قوية وعقول متفوقة.
يترتب على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن توسع تحقيقاتها التي تتصل بقصور شديد في الترتيبات الأمنية، وفيما إذا كانت ثمة اختراقات بين صفوف المسؤولين عن أمن «الخزنة».
إعادة اعتقال الأبطال الستة كانت واحدة من السيناريوهات المتوقعة، ذلك أن أدوات وعيون الاحتلال، منتشرة بقوة وحضور مكثف في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وامتدت لتشمل شمال فلسطين.
الهروب من «الخزنة» كان أسطورياً، ويشكل إلهاماً لصانعي الأفلام ولأنه أقرب إلى الخيال العلمي، الذي يشكل المادة الأساسية لصناعة الأفلام، خصوصاً في الولايات المتحدة.
سبق لصانعي الأفلام الهوليوودية أن أنتجوا فيلماً عن عملية ميونيخ، التي قام بها مناضلون فتحاويون.
وسيظل النضال الفلسطيني يشكل ملهماً للمزيد من الإنتاج الفني والسينمائي حتى في الدول المتقدمة، ذلك أنه ينطوي على إبداعات تفرض نفسها على «غينيس»، وعلى المعاجم اللغوية، ويقدم للشعوب المغلوبة على أمرها استخدام وسائل شعبية وسلمية كالحجر والنقّيفة، ودواليب المطّاط، والبالونات الحارقة، والسكاكين والدهس.
تكذب إسرائيل حين تدعي أن «الشاباك» كان لديه معلومات تفيد بأن الأسيرين أيهم كممجي ومناضل نفيعات، كانا في مخيم جنين منذ أسبوع وأنها انتظرت إلى حين خروجهما من المخيم لتنفيذ عملية الاعتقال.
لو كان الأمر كما يدّعي «الشاباك» لكانت إسرائيل حصرت حملتها الأمنية، في المنطقة التي يتحدث عنها «الشاباك»، فلقد استمر تحليق الطائرات المسيّرة فوق مدينة الناصرة كل الوقت.
وفي هذه الحالة، أيضاً، كان مخيم جنين سيشهد حرباً ضروساً من قبل الجيش الإسرائيلي لاعتقالهما، لأن كل يوم يمر بينما هما ليسا في قبضة الجيش يشكل امتداداً للفشل.
في الواقع فإن كممجي ونفيعات لم يخرجا من مكان اختبائهما حتى تدعي أوساط «الشاباك» أنها، انتظرت خروجهما.
ولعلّ المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي العميد ران كوخاف يبدد ادعاءات «الشاباك» حين يعترف بأن الجيش استخدم الخداع والتضليل في مهمة اعتقال الأسيرين، بالإضافة إلى مجهودات استخبارية كثيرة ومتنوعة كما يقول.
ويكذب هذه الادعاءات التي تحاول أن ترسم صورة استثنائية للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ما طالب به المحلل العسكري لموقع «والا»، بضرورة أن يقدم الجيش تفسيراً لكيفية نجاح أسيرين خطرين بالوصول إلى جنين في الوقت الذي تستنفر فيه جميع المنظومة الأمنية.
وبالإضافة إلى الفشل الذريع الذي أصاب المنظومة الأمنية الإسرائيلية بكل أفرعها وإمكانياتها سواء في منع الهروب، أو في إعادة اعتقال الأسيريْن الأخيريْن بعد أسبوعين على اختفائهما، فإن الأبطال الستة، وضعوا القيود في معاصم المحققين الإسرائيليين.
صحيح أن الأسرى الستة تعرضوا لتعذيب، وتحقيقات مضنية، لكن تحول هؤلاء الأبطال إلى أيقونات جعل إسرائيل تضطر لاتباع الحد الأدنى من الإجراءات العقابية، وأرغمها على أن تستجيب للضغط فتسمح للمحامين بزيارتهم والتواصل معهم.
في الحقيقة فإن الأبطال الستة، تحولوا إلى قضية لا تخص الشعب الفلسطيني وحده بل إن أسطورتهم امتدت إلى كل العالم، وتضاف إلى معارك الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.
استنفرت إسرائيل بكل طاقاتها للعثور على الأبطال الستة، واستنفر كل الشعب الفلسطيني وقواه الحيّة، في الدفاع عنهم، وفي تشتيت انتباه أجهزة الأمن وصولاً إلى الاشتباك المسلح مع القوات التي دهمت مخيم جنين، وقبل ذلك، أيضاً.
هذه العملية الأسطورية بقدر ما أنها شكلت عنواناً لوحدة الشعب الفلسطيني وفصائله وقواه الحية، فلقد شكلت هزيمة للمنظومة الأمنية وكلفت إسرائيل ما يزيد على مئة مليون شيكل، ولا يزال الحبل على الجرّار.
ثمة درس آخر بليغ ينبغي للفلسطينيين تمثله بقوة فعلاً وليس كلاماً وبيانات وتصريحات وتهديدات.
تعلن حركة فتح عن حق أن أبطال نفق الحرية أعطونا درساً عملياً بالوحدة الوطنية والتلاحم، وأثبتوا مدى هشاشة المنظومة الأمنية للاحتلال.
هو ليس مشهداً جديداً، فلقد تكرر هذا المشهد مراراً عبر الوحدة الميدانية في مواجهة الاحتلال، الذي لا يتوقف عن توفير الأسباب لتحويل هذه الوحدة، إلى حقيقة دائمة وراسخة لا ينقصها سوى أن تعود الفصائل إلى طاولة الحوار، ومن أجل التوصل إلى توحيد البنى السياسية الفوقية، التي لا تزال محكومة لحسابات واشتراطات فئوية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية