بينما ترسل دولة الاحتلال بين وقتٍ وآخر، وعبر الوسطاء رسائل تحذير وتهديد إلى قطاع غزة ، تواصل المقاومة في القطاع ضغطها على الاحتلال لإجباره على القيام بمسؤولياته وفقاً للقانون الدولي الذي يضع على عاتق الاحتلال تسهيل حياة من يحتلهم من ناحية، وللضغط عليه من أجل توفير كل مستلزمات إعادة إعمار حربه الرابعة على قطاع غزة دون ربط ذلك بأي ملف من الملفات، خاصة ملف التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى.
في هذا الوقت بالذات عُقدت القمة الثلاثية الفلسطينية المصرية الأردنية، بينما بعد وقتٍ قصير منها تنعقد قمة شرم الشيخ المصرية الإسرائيلية، ووسط كل هذا الحراك تشير وسائل الاعلام الإسرائيلية أنّ جولة جديدة مرتقبة لكبار رجال جهاز المخابرات المصرية لغزة و رام الله وتل أبيب بعد أيامٍ قليلة، لمناقشة الملفات المتعلقة بالأوضاع الميدانية المتدهورة في قطاع غزة على خلفية الملفات المرتبطة بإعادة الإعمار، بينما الأوضاع المتوترة في الضفة الغربية تأتي على خلفية الإجراءات الانتقامية ضد الأسرى إثر العبور الكبير.
في جوهر هذا المشهد تأتي خطة وزير الخارجية الإسرائيلية يئير لابيد التي أطلق عليها «الاقتصاد مقابل الهدوء» والهادفة إلى خلق استقرار مستدام وهدوء ثابت على جانبي الحدود بين إسرائيل وغزة أمنياً وسياسياً ومدنياً واقتصادياً، حسب تعبيره، تبدأ هذه الخطة بإعادة الإعمار الإنساني مقابل مكافحة تعاظم قوة « حماس » في وقتٍ تتولى السلطة الإدارة المدنية والاقتصادية للقطاع، هكذا شرح لابيد باختصار معالم خطته من على منبر مؤتمر هرتسيليا، وذلك في سياق جهد اسرائيلي متتابع ومثابر للتركيز على الحل الاقتصادي كبديل عن الحل السياسي، وهو الأمر الذي تناولناه في عدة مقالات سابقة في هذه المساحة من «الأيام».  
خطة لابيد وجدت دعماً من رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير حربها، أي أنّ الجهات المؤثرة صاحبة القرار في إسرائيل تدعم هذه الخطة التي أشار لابيد إلى أنه تشاور بشأنها مع الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، وذلك لكي يتم دعم هذه الخطة من قبل مجلس الأمن.
هذه الخطة الطوباوية ذات الملامح العبثية تشير إلى أي حد توغل القيادة الإسرائيلية في وضع الخطط والمبادرات وسعي متواصل من اجل الإطاحة بجوهر الصراع باعتباره صراعاً سياسياً بالدرجة الأولى والأخيرة، مقابل جملة من الاستحقاقات والالتزامات التي يتوجب على دولة الاحتلال أن تقوم بها وفقاً للقانون الدولي الذي بدوره يمنح الشعوب المحتلة الحق في مقاومة الاحتلال.
ولا يتردد لابيد في وضع عدة شروط لتنفيذ هذه الخطة، قبول حركة حماس بشروط الرباعية الدولية ومصادقة مجلس الأمن الدولي على الخطة، وإضافة إلى رفض حركة حماس وكل فصائل المقاومة والسلطة لهذه الخطة بشكلٍ مطلق، فإن إمكانية عبورها إلى التنفيذ ليس صعباً فحسب بل مستحيل تماماً على المستوى المنظور والمتوسط على الأقل، الأهم من ذلك أن لابيد يدرك ذلك في قرارة نفسه وأن خطته لن ترى النور، والسؤال في هذه الحالة لماذا تم طرح هذه الخطة من على منبر مؤتمر هرتسيليا.
الصحافي اليميني أمنون لورد، يجيب على هذا التساؤل من خلال مقالته في «إسرائيل اليوم» أول من أمس، عندما قال إنّ دعم وتأييد كل من بينيت وغانتس للخطة يأتي في سياق احتمالات متزايدة من قبل إسرائيل للسير إلى معركة كبرى ضد قطاع غزة، الأمر الذي يستوجب إعداداً سياسياً ودبلوماسياً لمثل هذه الحرب موجه إلى الرأي العام الرسمي والشعبي على مستوى العالم، باعتبار أنّ إسرائيل وفقاً لهذه الخطة قامت بكل ما يمكن لتلافي هذه الحرب، وفي حال اندلاع هذه الحرب فهو خيار اضطراري بعدما قدمت إسرائيل كل الجهود والإجراءات لمنعها ولكن من دون جدوى، حسب الرؤية الإسرائيلية.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد