قامت فضائية دي دبليو الألمانية بعرض فيلم وثائقي بعنوان "بين غزة و سديروت - نضال عوائل من أجل السلام،" و كما يتضح من العنوان فإن الموضوع يتعلق ببعض العوائل التي "تعاني" على طرفي السلك الشائك المحيط بغزة و "نضال" المستوطنين القاطنين في قرية هوج المطهرة عرقياً من خلال قصة مستوطِنة كانت تقطن في مستوطَنة ياميت في شمال سيناء قبل توقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية و انتقلت مع زوجها لاستيطان القرية الفلسطينية. يقوم البرنامج بالمساواة الكاملة في معانة الطرفين، الفلسطيني الذي يعاني من حكم حماس من ناحية، و الإسرائيلي الذي يعاني من "إرهاب" حماس، من ناحية أخرى. السبب في كلتا الحالتين يأتي من غزة "الإرهابية!"

بغض النظر عن اللغة المغرقة في عنصريتها، و التي لا تجد الفضائية غضاضة في بثها فقط لأن من يتلفظ بها هو ضحية النازية الألمانية، فإن الوثائقي يكشف جانباً تطبيعياً فجاً تحت دعاوي "السلام" و "التعايش" من خلال عائلتين فلسطينيتين و سيدة إسرائيلية تعيش في سديروت حيث يقوم الطرفان بتنسيق نشاطات متزامنة على طرفي السلك الشائك، ووسط مدينتي غزة و سديروت، و عقد ورش عمل بعنوان " نبذ العنف و التطرف في ظل دولة السلام" بإشراف جمعية خيرية غزية تحمل اسم "جمعية السلام الخيرية" و بالتنسيق مع منظمة "صوت واحد" التطبيعية التي كان المجتمع المدني الفلسطيني قد طالب بمقاطعتها بالكامل.

من الواضح أننا بصدد التعامل مع منظمات تطبيعية بامتياز بناء على إنكارها الواقع القهري والعنصري لدولة اسرائيل ضد مكونات الشعب الفلسطيني في الضفة و القطاع، فلسطين 48، و الشتات. و عليه فإن محاولات هذه المنظمات الجمع بين عائلات فلسطينية و إسرائيلية في فعاليات مشتركة، و بعضها بإشراف منظمة جي ستريت الأمريكية اليهودية التي استضافت سيدة فلسطينية مع المستوطنة الإسرائيلية في مؤتمر تم عقده في الولايات المتحدة للحديث عن "النضال المشترك من أجل السلام"، كل ذلك بعيداً عن الحواجز العنصرية و الحصار الإبادي و المستوطنات اليهودية، و دون التطرق للحقوق الفلسطينية الأساسية المكفولة في إطار القانون الدولي و التي هي نقيض ليس فقط الإحتلال العسكري للضفة و غزة, بل أيضاً الطبيعة العنصرية لدولة اسرائيل و سياسة التطهير العرقي الممنهج الذي صاحب نشأتهاإنما تتناقض كلها مع الحد الأدنى لتطلعات الشعب الفلسطيني. والسؤال هنا: هل "النضال المشترك بين هذه العوائل من أجل السلام يتطرق لأنجع وسائل مقاومة الاضطهاد المركب الذي تمارسه إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني برجاله و نسائه؟

من الواضح أن هدف الطرف الإسرائيلي المشارك هو تطبيع الأبارتهيد و التطهير العرقي الذي كان النتيجة الحتمية للنكبة الفلسطينية عام 1948 و ذلك من خلال عدم التطرق إليهما بالمطلق. و لكن رؤية المنظمات المشاركة لا تقوم بالتطرق لمقاييس القانون الدولي الذي يشترط عودة اللاجئين, ومن ضمنهم أهل قرية هوج، و إدانة نظام الأبارثهيد على أساس أنه جريمة ضد الإنسانية، كما أثبتت تقارير هيومان رايتس ووتش و حتى بيتسيليم الإسرائيلية. على العكس من ذلك, فإن هذه الأفعال التطبيعية التي تروج لها فضائية دي دبليو الألمانية تساوي بين الضحية و الجلاد الذين ما عليهما إلا العمل "بحب و صداقة و جرأة" في "المجتمعين المتناحرين" وصولاً "للسلام المنشود!"

و من المفيد في هذا السياق التذكير، مرة أخرى، بالتعريف الفلسطيني لمفهوم التطبيع، كما جاء في بيانات اللجنة الوطنية للمقاطعة و الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لإسرائيل:

التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط, محلي أو دولي, مصمم خصيصاً, للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين/ات (أو عرب) و إسرائيليين, أفراداً كانوا أم مؤسسات, و لا يستوفي الشرطين التاليين:

أ-أن يعترف الطرف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي،

ب- أن يشكل النشاط شكلاً من أشكال النضال المشترك ضد نظام الاحتلال و الأبارثهيد و الاستعمار الاستيطاني

إن الأهداف المعلنة لكل المنظمات الإسرائيلية و الأمريكية المشاركة و الداعمة لهذه الأفعال التطبيعية، لاترى مطلقاً أن العلاقة بين من تسميهم "الطرفين" غير متكافئة، و أن اسرائيل هي دولة استعمار استيطاني لا تختلف عن نظام الأبارتهيد العنصري. بل أن الإضطهاد الصهيوني مركب و متعدد الأوجه ليس فقط ضد سكان الضفة و غزة, بل أيضاً ضد مواطني اسرائيل من أصل فلسطيني.

هل العوائل الإسرائيلية المشاركة، مثلاً، على استعداد للاعتراف بما يُعتبر أبجديات القضية الفلسطينية من خلال دعوة حكومتها للإلتزام بقرارات الأمم المتحدة كافة بما فيها قرار 194 الذي ينص على حق العوائل الفلسطينية المشاركة بالعودة و تعويضها؟ وأن إسرائيل مسؤولة مسئولية مباشرة عن عملية التطهير العرقي التي حصلت عام 1948؟ وهل المجازر التي إرتُكبت في غزة هي جزء من "الحوار" بين "الطرفين؟" أحدهما يملك أحد أكبر الجيوش في العالم ومزود بطائرات ف16 و أباتشي و أكثر من 450 رأس نووي؟

على العكس من ذلك، فإن الإجابة نجدها في اللغة العنصرية المتعالية للعوائل الإسرائيلية. فهي ترى أن القضية تتطلب "شجاعة" كافية من الطرف الفلسطيني الذي يتوجب عليه التخلي عن "الإرهاب." و يمكن الوصول لذلك من خلال "كسر الحاجز النفسي" و تحول "الغضب و الحقد" و "الاحترام و التفاهم المتبادل!" و هنا يبرز سؤال محوري آخر عن تعريف الفضائية الألمانية، لسان حال الحكومة، للعنصرية؟ و هل تعتبر أنه كان هناك "طرفين" متساويين في "الصراع" الجنوب أفريقي؟ أم طرف عنصري يملك أدوات قمع جبارة في مواجهة سكان الأرض الأصليين؟ وهل يمكن المساواة بين المناضلين الأفارقة و مضطهديهم من المستوطنين البيض؟

إن محاولات المنظمات الأمريكية الداعمة لهذا "النضال المشترك،" صوت واحد و جي ستريت، الجمع بين فلسطينيين و اسرائيليين في "حوار" دون التطرق للحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف و المكفولة في إطار القانون الدولي و التي هي نقيض ليس فقط الإحتلال العسكري للضفة و غزة, بل أيضاً للطبيعة العنصرية لدولة اسرائيل و سياسة التطهير العرقي الممنهج الذي صاحب نشأتها، إنما تتناقض كليا مع الحد الأدنى لتطعات الشعب الفلسطيني.

إن هدفها هو تطبيع الأبارثهيد و التطهير العرقي الذي كان النتيجة الحتمية للنكبة الفلسطينية عام 1948 و ذلك من خلال عدم التطرق إليهما بالمطلق.! بل أن هذه الرؤية تنطوي على تحميل مسئولية "الصراع" "للطرفين."

و الحقيقة أن المشاهد للوثائقي لا يجد أي جملة أو كلمة تتطرق لحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية من حرية و عدالة و مساواة. بل إن الحديث المشوش عن "السلام" يتم دون ربط ذلك بالعدالة، و ما ذلك إلا محاولة لخدمة اسرائيل بالبقاء كدولة أبارثهيد و استعمار استيطاني دون الإقرار بذلك. و ما مشاركة فلسطينيين/ات في هكذا فعاليات إلا ورقة توت تعمل على تغطية العورة الإسرائيلية.وعليه يصبح الأبارثهيد مقبولاً و الحصار الإبادي طبيعياً, الاحتلال يمكن إجراء حوار بناء عليه...إلخ من المهاترات التطبيعية الخارجة عن ثقافة شعبنا الوطنية.

كم هو محزن مشاركة عائلات و شباب و سيدات من غزة بعد 4 حروب إبادية أدت لسقوط آلاف الشهداء و الجرحى, وحصار إبادي يحصد الأرواح يومياً على أيدي أبناء الاسرائيليات المشاركات على "الطرف الآخر".

ولكن يبدو أننا سنستمر في دفع ثمن عقدة الذنب الألمانية لفترة طويلة, فبدلاً من أن تروج للسلام القائم على العدل و القانون الدولي الذي يكفل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني, و إدانة كل أشكال العنصرية الممأسسة التي تقوم عليا دولة إسرائيل، تقوم دويتشه فيله بالدعوة لترسيخ الأبارثهيد و الاستعمار الإستيطاني من خلال لوم الضحية و دعوتها, أي الضحية، للتطبيع مع مضطهدها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد