بعد ضرب السفينة «ميرسر ستريت» في التاسع والعشرين من تموز الماضي قبالة سواحل عُمان والتي قتل فيها مواطنان أوروبيان أحدهما بريطاني والآخر روماني، كان لإسرائيل التي تنتظر تلك الفرصة أن تعتلي موجة التحريض التي كانت قد أصيبت بإحباط منذ تسلم الديمقراطي بايدن رئاسة البيت الأبيض وبدء مفاوضات فيينا للعودة للاتفاق النووي مع إيران، فقد رأت اللحظة مناسبة لإعادة استجماع أوراق قوتها ضد إيران.
كان تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس مثيراً للعجب حقاً حين قال إن إسرائيل ستحاسب من يمس بها.
ومع موجة الحديث الإسرائيلي عن عشرة أسابيع لوصول إيران للحافة النووية واستعداد الجيش الإسرائيلي لأن يفعل كل شيء حتى لا تبلغ إيران تلك الحافة بما فيها العمل العسكري وحدها إن اضطرت، رغم أن تلك التصريحات تكررت منذ أكثر من عقد ونصف العقد وأصبحت معروفة الهدف، وهو دفع المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة لضرب إيران.
وهذا ما قاله رئيس الأركان الأميركي السابق في عهد ترامب حين كشف عن رغبة الأخير وطلبه من رئاسة الأركان الاستعداد لضرب طهران، وبتحريض مباشر من بنيامين نتنياهو قبل أن يغادر ترامب البيت الأبيض.
تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي العجيب والذي يظهر إسرائيل كضحية للفعل الإيراني ومن استمع له يعتقد للوهلة الأولى التي صاحبت دعاية ضرب السفينة أن الاعتداءات على إسرائيل لم تتوقف، وكأن الحرب بينها وبين إيران انطلقت بعد ضرب السفينة تماماً هذا إذا بدأنا من تلك اللحظة بنزعها عن سياق التاريخ الطويل من الاعتداءات الإسرائيلية التي لم تتوقف على إيران وفي داخل المدن والمنشآت الإيرانية.
بعد أشهر من تسلّم نتنياهو للحكومة والذي أوهم العالم بخطر إيران، بدأت أولى عمليات التصفية في طهران مطلع 2010.
وعندما تم اغتيال عالم الذرة الإيراني مسعود علي محمد كانت تلك العملية بداية الحرب التي أعلنتها إسرائيل على إيران بسلسلة تصفيات كان آخرها عالم الذرة محسن فخري زادة نهاية العام الماضي، وكان العام 2010 يشهد انفجاراً في قاعدة للحرس الثوري الإيراني في خورام أباد والذي قتل فيه 18 جندياً إيرانياً، وقبل أن ينتهي العام كان الموساد يضع عبوة ناسفة في سيارة لعلماء ذرة أدت لمقتل أحدهم.
هكذا بدأت إسرائيل الحرب منذ أكثر من عقد وسجلت مئات من العمليات والاغتيال والانفجارات والتخريب في منشآت وهجمات سايبر، وقواعد عسكرية وسرقة للأرشيف الإيراني وتفجير منشأة نتانز وبوردو ومصنع البتروكيماويات ومحطة بوشهر وهيئة الطاقة الذرية على مدار سنوات، إلى الدرجة التي أصبحنا نعرف أسماء بعض المدن والمواقع الإيرانية من خلال ضربات الموساد، أما الاعتداء على المواقع والقوافل الإيرانية في سورية فقد تفاخرت إسرائيل بأنها كانت بالمئات وبشكل شبه أسبوعي، والأهم أن إسرائيل في سورية كانت تعلن عن الاعتداءات بعكس ما كان يحدث في الداخل الإيراني الذي تلقى مئات الضربات.
وبعد كل هذا وبعد أكثر من عشر سنوات على حرب إسرائيلية لم تتوقف في البحر والبر والجو والمنشآت ومحطات الكهرباء والاغتيالات، تتصرف إسرائيل كضحية ودولة قانون ومؤدبة، فهي تطلب استغاثة العالم ضد الاعتداء الإيراني على السفينة في الخليج العربي، وكأن العالم لا يتابع ولا يراقب كيف تدور الحرب الخفية والمعلنة بين الطرفين والسلوك الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن الاستفزاز ويدفع بالمنطقة نحو حريق لن يتوقف عند هاتين الدولتين بل إن اللهب سيمتد إلى ما هو أبعد، وهو ما تعرفه الولايات المتحدة وأوروبا لكن الصراخ الإسرائيلي فعلاً مدعاة للدهشة والتأمل كيف تدير إسرائيل نفسها عسكرياً كدولة هجوم وإعلامياً كدولة ضحية. إنها وقاحة بالفعل.
تدرك الولايات المتحدة أن إسرائيل لن تتمكن وحدها من ضرب إيران ولو تمكنت لفعلتها منذ زمن كما فعلت أثناء ضرب مفاعل تموز العراقي العام 81 والمفاعل السوري في دير الزور العام 2006.
ولكن الأمر هنا مختلف وأغلب الظن أن الدعاية التي أدارتها إسرائيل على مدى الأسابيع الماضية كان لابد أن تستدعي شخصية مثل وليام بيرنز رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية، والعارف بشؤون الملف الإيراني والاتفاق الدولي والتحريض الإسرائيلي مدركاً أن تلك لحظة إسرائيل الابتزازية مع تعثر مفاوضات فيينا.
الصواريخ التي أطلقها حزب الله مطلع الشهر لم تكن رداً على ضربات إسرائيلية لمناطق مفتوحة في لبنان بقدر ما كانت رسالة تتعلق بالتهديدات الإسرائيلية ضد إيران، ولتذكير إسرائيل بأن القوة الإيرانية موجودة تحت الجدار الشمالي وبشكل أكبر من العام 2006 لأن قوة الحزب تنامت أكثر في العقد ونصف العقد الماضيين وأصبحت له تجربة ميدانية أكبر وبالتالي فإن قدرته على إيلام إسرائيل في خاصرتها الرخوة أكبر من السابق، وهي المسألة التي وضعت رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام موقف لا يحسد عليه أمام نتنياهو، وهو ما استدعى تدخل البيت الأبيض لمنعه من هجوم كبير على لبنان قد يمتد لما هو أبعد.
أغلب الظن أن زيارة رئيس المخابرات الأميركية لإسرائيل منتصف الأسبوع الماضي كانت نوعاً من إطفاء حريق.
وجاءت بعد أن وضعت جميع الأطراف على أهبة الاستعداد لحرب قد تندلع في ظل ظروف تشتد فيها أوتار المنطقة، وفي لحظة ما قد تنقلب الأمور قد تكون إسرائيل دفعت باتجاه لعبة حافة الهاوية وهذا ممكن ولكن أيضاً كانت أحد أذرع إيران تدفع هي الأخرى ما وضع المنطقة على شفير حرب حقيقية.
هو السلوك الإسرائيلي الطائش بجدارة والمستعد لإحراق المنطقة، لم يتوقف عن ضرب إيران ويشكو من أول رد جاء بعد عشر سنوات وكأنه مسموح لإسرائيل أن تضرب من تشاء ومتى تشاء وأينما تشاء ولكن الرد عليها بمثابة خط أحمر. تلك هي نكتة القرن حين تتحول إسرائيل إلى ضحية...!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية