بقلم: سنابل الغول
"توفيق" و"خالد" ..توشّحا بِـورود الموت قبل إكليل التخرّج
مقاعد دراسية فارغة ، هجرها أصحابها عنوة عنهم بعدما كانوا يتجهزون للجلوس عليها طيلة عامٍ مضى،ليالٍ طويلة لم تذق فيها أعينهم النوم، يصارعون الوقت باجتهادهم ويحيكون أحلامهم بنسيج من الصبر والطموح والكفاح لينالوا العلا ،تواقين لانتهاء هذه المرحلة بأفضل تقدير دراسي يدخلون عبره البهجة والسرور إلى قلوب والديهم وأحبائهم ويكونوا فخراً لهم ولأنفسهم أيضاً ..
ولكن الأحلام تلك لم تدم طويلا ً فالاحتلال حولها لكابوس حينما غدر بمسالمتهم وقتلهم بوحشية خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة ، فانهارت كل الآمال والأحلام وجُلّ طموحاتهم ورحلوا للسماء.
هذا ما حلّ بالطالبين توفيق أبو العوف وخالد القانوع اللذين من المفترض أن يكونا جالسين على مقاعدهم الدراسية ويقدمون اختبارات الثانوية العامة ولكن صواريخ الاحتلال الغادرة كانت سباقة فقتلتهم دونما رحمة ، قبل أن يتمكنوا من تجربة لذة الوصول ومعانقة أحلامهم التي لطالما تمنوها طيلة عام مضى، ف توفيق طالب العلمي الذي جدّ وسهر الليالي دون كلل وكان وقوده ذاك الحلم الذي يداعب مخيلته بأن يصبح طبيباً ويسير على خطى والده، اختطف الاحتلال روحه وهو على بعد خطوة من تحقيق حلمه، رحل توفيق بعد أن قاوم الموت لساعات تحت الركام تشبث بالحياة حتى آخر رمق له وفي الدقيقة الأخيرة وصل المسعفون إليه ليجدوه جثة هامدة ولم يتمكنوا من إنقاذه، فتوشح بورود الموت قبل إكليل التخرج .
أما خالد طالب العلوم الإنسانية فَرحل عند قاضي السماء قبل أن يعانق حلم الليالي بأن يكون "ممرضاً" حلمه الذي لطالما تغنى به بين أقرانه، ارتدى كفن الموت قبل روب التمريض، باغتته صواريخ الاحتلال واغتالت معه أحلامه وسعيه في اجتياز مرحلة التوجيهي والولوج نحو المستقبل الذي يبدأ بحياته الجامعية.
رحلوا ولم تبقى سوى صورهم وأحلامهم وأمنياتهم بالغد، شاهدة على مجازر الاحتلال الإسرائيلي البشعة التي مُورِسَتْ بِحَقِّ كُلِّ مَنْ يَتَنَفَّسُ وَيَنْتَمِي لِهَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبَارَكَة، فَوَحْشِيَّة المحتل لَمْ تَرْحَمْ شَيْخٌ أَو طِفْل أَوْ امْرَأَةً حَتَّى الشَّجَر لم ينجُ منهم، فكل من على هذه الأرض يدفع ثمن انتماءه لفلسطين، يظن المحتل بِذَلِكَ أَنَّهُ سَيَسحَق كُلَّ مَعَالِم وَهُوِيَّةُ هَذِهِ الْأَرْض عَنْ بِكْرَةِ أَبيهَا وَسَيَنْتَزِع حقَّ شَعْبها مِن تَقْرِيرِ مَصِيرِهِ وَلَكِنَّ عَبَثًاً يُحاوِل ، لَا فِنَاءَ لِأَصْحَاب الْحَقِّ الثَّائرين.