شهدت إسرائيل أحداثاً كبيرة في الأيام الأخيرة لدرجة أن بعض الصحافيين يعتبرونها علامة فارقة وتأريخاً لنقطة تظهر هشاشة وحدة وتماسك المجتمع الإسرائيلي، والحديث يدور هنا حول الاحتجاجات التي قام بها اليهود المهاجرون من أثيوبيا الذين يسمونهم يهود الفلاشمورا أو الفلاشا، والاسم آت من كلمتي فرس مكورا وتعنيان «الغراب الحصان»، وتحور الاسم إلى فلاس مورا ثم إلى فلاش مورا والذين يعتقد أنهم ينتمون لطائفة وقبيلة يهودية باسم «بيتا إسرائيل»، وهذه القبيلة دخلت المسيحية في قرون سابقة لأسباب مختلفة، وقررت إسرائيل أن تهجرهم من أثيوبيا وتحضرهم إلى هنا واستمرت عملية الهجرة من عام 1991 حتى عام 2013 في إطار عمليات جزء منها أمني، ودفعت رشاوى لحكام بمن فيهم النظام السوداني لتنظيم هذه الهجرة. والاحتجاجات هذه سببها المباشر هو قيام الشرطة الإسرائيلية بالاعتداء بالضرب على جندي من أصل اثيوبي، وهذه العملية لا تحصل بالعادة في إسرائيل مع آخرين، وهي تنم عن عنصرية أكثر من أي شيء آخر، وهي بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير وكسرت الصمت الذي تميز به احتجاج الطائفة الأثيوبية على التمييز العنصري ضدها.
المواجهات الدامية بين الاثيوبيين والشرطة والتي كانت في القدس وبشكل خاص في تل ابيب في ميدان رابين تؤكد أن هؤلاء لم يعد بوسعهم أن يصمتوا على معاناتهم جراء سياسة التمييز العنصري ضدهم التي تتبدى في كل تفاصيل حياتهم. فالمعطيات الإسرائيلية تشير إلى وجود 65% من أطفالهم تحت خط الفقر، و54% فقط منهم يصلون إلى التوجيهي ، وهذا ينطبق على التعليم الجامعي بالطبع، كما أن 20% من نزلاء السجون منهم أي أكثر من عشرين ضعف حجمهم في المجتمع الإسرائيلي. وقد تحدث تقرير مراقب الدولة في العام 2013 عن وجود خلل كبير في استيعابهم ووجود فجوات كبيرة بينهم وبين باقي شرائح وفئات المجتمع. ويصل التمييز العنصري ضدهم إلى مستوى أنهم يمنعون من السكن في بعض الأحياء في أماكن مختلفة في إسرائيل بناء على قانون عنصري يمنح الصلاحية للجان الأحياء في تقرير من يمكن أن يسكن في حيهم بناء على معايير عنصرية تتعلق بالثقافة وأشياء أخرى دون ذكر لون البشرة، مع أنه سبب جوهري في رفضهم. حتى أنهم منعوا من دخول بعض المدارس.
والاثيوبيون يقومون بالأعمال التي لا تحتاج إلى أي مستوى تعليمي مثل النظافة والأعمال اليدوية الصعبة. وفي النهاية هم يعيشون في منعزلات وأحياء فقيرة وبائسة، وقسمٌ من الإسرائيليين يعتبرونهم ناقلين للأمراض، وحسب المعطيات الإسرائيلية أيضاً فمن أصل 90000 مواطن تم جلبهم كان 2500 منهم مرضى بالإيدز أو حاملين للمرض. ويعترف الأثيوبيون ليس فقط بالتمييز ضدهم في الكثير من مناحي الحياة بل بكراهية قسم من الإسرائيليين لهم.
الحكومة تحدثت في مرات عديدة عن ضائقة الفلاشا، ولكن شيئاً لم يحدث لإصلاح هذا الوضع، ومراقب الدولة يحذر من التصريحات التي تعد بالحل ولا تترجم إلى أفعال. وخصوصاً رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي عانق الجندي الإثيوبي الذي ضربته الشرطة ووعد بتغيير واقع الإثيوبيين، وهذا بعد الأحداث الدامية بين المحتجين والشرطة.
ما حصل في إسرائيل من المفروض أن يلقي الضوء على التمييز العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين الذي يعتبرون مواطنين في إسرائيل، فهؤلاء يعيشون تمييزاً عنصرياً منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948 وحتى يومنا هذا ويتعرضون لشتى السياسات التي تستهدف وجودهم وتحاول دفعهم للهجرة، فهم محرومون من الأراضي التي يتوسعون فيها عمرانياً كباقي التجمعات اليهودية ومحرومون من الميزانيات وتمويل المشاريع التي تطور المناطق التي بها أغلبية عربية في الجليل والمثلث والنقب وتصادر أراضيهم وتقلص مساحاتها، وبعض القرى والتجمعات القائمة منذ من قبل 1948 لا تزال غير معترف بها، وبرز ذلك من مشاريع التهويد المختلفة التي تعرضوا لها، كما مشروع تهويد الجليل في سنوات السبعينات الذي واجهته الجماهير الفلسطينية في التظاهرة الشهيرة في 30 آذار في العام 1976 وسقط فيها ستة شهداء وتحول هذا اليوم من كل عام إلى يوم الأرض ، والذي لم تنجح فيه إسرائيل، وملاحقة بدو النقب والسعي لتهجيرهم من أراضيهم والاستيلاء عليها. وكل الخدمات والوظائف وخاصة العليا في الدولة بعيدة عن متناول المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة، حيث التصنيف يبدأ باليهود الإشكناز القادمين من الدول الغربية ثم السفرديم اليهود القادمين من الشرق خاصة ذوي الأصول العربية ثم اليهود الفلاشا ثم المواطنين العرب. أما المواطنون في المناطق المحتلة فلا تراهم إسرائيل بالعين، وهم ليسوا محسوبين في أي سلم للحقوق. فماذا يمكن التوقع من دولة احتلال تمارس التمييز ضد مواطنيها اليهود الذين تدعي أنها دولتهم التي ينبغي أن تحميهم من الملاحقة في مختلف أرجاء العالم كما تدعي الحركة الصهيونية؟.
الطريف في الأمر أن السود في الولايات المتحدة الذين يتعرضون بين فترة وأخرى لممارسات عنصرية ضدهم يتعاطفون مع يهود الفلاشا ويتابعون أخبار الصدامات التي حدثت في إسرائيل، وقد نقل التليفزيون الإسرائيلي عن منطقة بالتيمور التي شهدت مواجهات مع الشرطة الأميركية بسبب قيام الشرطة هناك بقتل مواطن أسود بدون مبرر، كيف يتابع الأميركيون باهتمام الأحداث في إسرائيل، ويا لها من فضيحة تلوث سمعة الدولة التي تدعي أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية