شكَّل القرار 1325 حجر الأساس لعدد من القرارات الدولية الصادرة عن ذات الجهة، قامت بتعبئة نواقص 1325 وثغراته. لكن الواقع المتردي يستدعي أكثر من قرارات تناشد وتطالب، على أهميتها.
وللتذكير، حصل القرار 1325 على إجماع مجلس الأمن. في حينه، اُحْتُسِب صدور القرار من أجل زرقة عيون النساء في أوروبا الشرقية، لدى انفجار النزاعات العرقية والإثنية ووقعت المرأة كضحية بين المتقاتلين، على خلفية انفجار الصراعات الإثنية، كأحد أدوات الثأر والانتقام وإلحاق الأذى بين المتحاربين وفي فكر القبائل. ومن ثم حصل القرار 2122 في نهاية عام 2013، على إجماع مجلس الأمن من أجل السواد الحالك لعيون النساء العربيات.
لقد صدر خلال السنوات الخمس عشرة الفائتة، عديد القرارات عن مجلس الأمن التي تخص المرأة وتخاطب حالتها في الصراع المسلح، منها القرار 1820، 1888، 1889، 1960، 2122، وجميعها أكدت على دور النساء وطورت على نص القرار 1325 وملأت بعض فجواته ونواقصه. لكن بقي القرار 1325 يحتفظ لنفسه مهمة رسم الملامح التي ساهمت في إحداث النقلة على أدوار النساء في الحروب، انطلاقاً من الأبعاد المختلفة لتأثيراتها وانعكاساتها على حياتهن.
فإنْ ركَّزت القرارات 1820، 1888، 1960 على قضية العنف الجنسي والاغتصاب خلال الصراعات المسلحة، وخاصة القرار 1960 الذي صدر في عام 2012، بهدف محاكاة واقع عمليات الاغتصاب بداية في افريقيا، وخاصة في «الكونغو الديمقراطية» التي استحقت لقب «عاصمة الاغتصاب». ومن ثم من أجل أن تحاكي القرارات الممارسات العائدة إلى عصور ما قبل التاريخ في همجيتها، من اختطاف وتنكيل بالنساء والفتيات من الإيزيديات بشكل خاص، وتعرضهن إلى البيع في سوق النخاسة، ولعمليات اغتصاب واستعباد جنسي وزواج قسري وقتل وتعذيب، وإجبارهن على التخلي عن دياناتهن.
فيما ركزت القرارات الأخرى وتحديداً 1889، 2122، على القضايا التي تنطبق على حالة النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال، وحالتهن في ظل الخلاف والانقسام على خلفية الخلاف والاختلاف السياسي والفكري. حيث أدخل القرار 1889 تطويرا على شمول النساء جميع مراحل عمليات السلام، قبل وإثناء وبعد، وعبأ فراغ تمثيلها وأدوارها في عمليات الوساطة، مضيفا مشاركتهن في جهود إعادة الإعمار ودورهن في مرحلة الاستشفاء أو التعافي. هذا، إنْ وصلت المرأة الفلسطينية إلى نعمة التعافي من الصراع الداخلي، في ظل حالة أصبح الجميع ينفض يده منها يأساً وابتعاداً، وتمكنت من البدء في العمل على تثبيت المصالحة الهشة القائمة على الاتفاقيات، إلى عملية ثباتها وديمومتها بنشر الفكر المدني، من أجل تفكيك الحواجز التي انتصبت بين المواطنين، والاقرار بحق المواطنة والتعددية بكل اشكالها وزرع قيم الحوار على قاعدة التسليم بمبادئ الحريات العامة والخاصة.
القرار 2122، وضع خارطة طريق وتدابير أكثر منهجية وملموسية لتنفيذ الالتزامات بشأن مشاركة المرأة في صنع السلام والأمن، مستنداً في هذا على اعتراف الهيئة الأممية بالأثر الخاص للصراعات على النساء بسبب غياب المساواة في حقوق المواطنة، ما يحرمها الوصول والحصول على الخدمات الأساسية التي تحتاجها، خاصة لدى النزوح القسري، حيث تُصبح النساء في حالة انكشاف ويغدو وضعها أكثر هشاشة، وهو الأمر الذي بدا شفافاً خلال الحروب المتوالية على قطاع غزة ، وتحديدا في الحرب الأخيرة، التي انتهكت فيها خصوصية النساء وعدم مراعاة احتياجاتهن الخاصة في بيوت الايواء والمستشفيات، وهو الأمر الذي وثقته الشهادات.
أقول هذا وقد انتهينا من وضع خطة القطاع الأهلي لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325، وهي خطة تنطلق من واقع واحتياجات النساء الفلسطينيات وتشبه ملامحهن، خطة تبدأ من أولوية المرأة الفلسطينية ومطالبها الرئيسية في نيل الحرية والاستقلال والحماية من عنف الاحتلال وبطشه ومساءلته عن جرائمه وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقرارات ذات الصلة بالمرأة. كما تأخذ في اعتبارها أهمية وضرورة التوجه نحو رتق الفتق الذي مس النسيج الاجتماعي وشوهه، وهدد السلم الأهلي وأساساته عبر الاقتتال والانقسام.
وأخيراً، نصف الحقيقة أن القرارات الصادرة حول النساء في الحروب والنزاع المسلح، قد ألقت أضواء هامة وكشفت عن أوجاعهن المختلفة بسبب جنسهن، لكن الحقيقة الكاملة فلسطينياً، ان الخلاص لا يأتي بالقرارات وحدها، فالخلاص من وجع الانقسام بيدنا لكونه جاء على يدنا، والخلاص من وجع الاحتلال نصف حقيقته بنا وبإرادتنا وسياساتنا وتوجهاتنا، والوجه الآخر لحلوله بيد العالم وقراراته وإرادته الخالصة في تحقيق العدالة والإنصاف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية