وحدها القدس برمزيتها السياسية والدينية، تستطيع تحريك الراكد في الأوضاع العربية والإسلامية والدولية. كل ما في القدس من دلالات على تاريخ ملكيتها الفلسطينية، ومكانتها بالنسبة للأديان السماوية، وكل ما فيها من شواهد على انتمائها التاريخي يتعرض كل الوقت لهجمة صهيونية مركّزة.


الهجمة الصهيونية على القدس ما فيها ومن فيها ليست جديدة فهي في قلب المشروع الصهيوني بأبعاده الاستراتيجية التي لا تقف عند حدود التوسع في كل ارض فلسطين التاريخية. لا تبقي إسرائيل وسيلة واحدة، إلاّ وتستخدمها لمحو وجود وآثار الفلسطينيين، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، أو وطنية.


القوة الغاشمة تقف دائماً على رأس وفي أولوية الوسائل التي تستخدمها إسرائيل، وتجند مليارات الدولارات، وعمليات التزوير، والتطهير العرقي وزرع المستوطنات، والمستوطنين، وتشجيع الصهاينة المتطرفين على التغوّل على المقدسيين، والمقدسات الإسلامية.


المخطط الصهيوني لتغيير معالم القدس، وهويتها بدأ منذ توقف حرب حزيران 1967، واتخذ طابعاً قانونياً العام 1980، ولكن رغم مرور كل هذه العقود، الا ان اسرائيل لم تنجح حتى الآن في تحقيق اهدافها التطهيرية. السياسة التطهيرية للوجود الفلسطيني ليست حصراً على القدس وإن كانت القدس في مركزها، حيث ان كل الوجود الفلسطيني بين البحر والنهر مستهدف بهذه السياسة العنصرية.


المشاهد التي تبثها محطات التلفزة العالمية والعربية والمحلية، تشير الى ان المعركة، في القدس شاملة، على المصلين وعلى المسجد الأقصى، وعلى بوابات القدس، وعلى حي الشيخ جرّاح. جزئياً انتصر الفلسطينيون في المعركة حول باب العامود، حيث انسحبت الشرطة والجيش لبعض الوقت، لكن الأجهزة الاحتلالية، عادت لتحاول بسط سيطرتها وسرقة الانتصار، بل انها اتخذت اجراءات لغلق كل البوابات لمنع وصول المصلين والمعتكفين الى أماكن العبادة.


تضطر القوات الاحتلالية، لفض المصلين، والمعتكفين واخراجهم من المسجد وباحاته، وفي الوقت ذاته تفسح المجال للمستوطنين لتدنيسه، والعبث بمحتوياته، لكنها مع كل ذلك لا تنجح، فالمقدسيون يتسلحون بعزيمة قوية وإرادة، على قهر الاحتلال.


الوحدة الشعبية والسياسية الفلسطينية الداعمة للمقدسيين متجذرة وحقيقية، لا ينال منها الخلاف والانقسام الفلسطيني، ما يعني أنه لا يوجد سبب لمزايدة طرف على آخر.


غياب الرايات الفصائلية، لا يعني أن الفصائل غير موجودة في ساحة المعركة إن كان في المسجد الأقصى وباحاته، وبواباته وإن كان في حي الشيخ جرّاح. إن غياب الرايات الفصائلية هو واحد من حسنات الفصائل، إذ لا مجال للتباهي، أو الاستعراض، وإن كان لا بد من وجود راية فهي راية فلسطين. ينطوي هذا السلوك على وعي عميق بأن موضوع القدس وهويتها ليست فلسطينية فقط وإنما هي معركة عربية وإسلامية ومسيحية ودولية بامتياز.


العالم الفاعل كله، أصدر بيانات، وأطلق تحذيرات، داعمة للحق الفلسطيني في القدس بما في ذلك الولايات المتحدة، التي عبرت عن قلقها إزاء تصاعد التوتر، لكنها مع ذلك تكتفي بمطالبة الطرفين بالهدوء، لا يحلم الفلسطينيون بأن تتخذ الإدارة الأميركية موقفاً صريحاً يطالب اسرائيل المعتدية، بالتوقف عن فرض مخططاتها على القدس والمقدسيين، في تقييم كل هذا الدعم الذي أظهرته الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وحتى القلق الأميركي، بالإضافة الى البيانات العربية والاسلامية، فإن كل ذلك جيد ولكنه لا يبلغ مستوى الضغط على اسرائيل لوقف مخططاتها.


الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي، يجلسون على ركبة ونصف لاتخاذ اجراءات عقابية بحق ايران، وسورية، وكوريا الشمالية وروسيا، والصين، حين تتعرض مصالحهم للمساس، أو هكذا يعتقدون لكن كل هؤلاء لا يفكرون مجرد التفكير باتخاذ عقوبات بحق إسرائيل.


ربما تجد الولايات المتحدة وأوروبا الموحدة، الأعذار لاتخاذ عقوبات بحق دول اخرى، لا تساير سياساتها، ولكن ما ترتكبه اسرائيل بحق القانون الدولي، والدولي الانساني، وقرارات ومؤسسات الامم المتحدة، وما ترتكبه من جرائم بكل اشكالها وانواعها، لا تجد سوى البيانات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.


حال العرب والمسلمين ليس بأفضل من حيث العجز، وضعف الأداء والاكتفاء بالكلام، فحتى الآن لم نعثر على موقف عربي ولو من باب التهديد باتخاذ اجراءات عملية ضد اسرائيل.


على العكس إذ من المخجل ان يتزامن اطلاق العيارات المطاطية والدخانية والاعتقالات، مع دعوة رمضانية يجلس فيها سفراء عرب، مع رئيس دولة اسرائيل. وفي السياق ذاته أيضاً يخرج رئيس الخارجية المغربية الذي تترأس بلاده «لجنة القدس»، بتصريحات يعبر فيها عن استعداد بلاده وحكومته الإسلاموية، لتوسيع مجالات التعاون والتطبيع مع إسرائيل. كنا نتمنى لو أن دولة واحدة هددت اسرائيل بوقف بعض الاجراءات التطبيعية في حال استمرت الهجمة الاحتلالية على القدس والمقدسيين.


تبقى المسؤولية الأساسية عند الفلسطينيين والمقصود أولاً، توفير الغطاء السياسي الوطني العام، وعدم التدخل في عمل الميدان. وثانياً، في أن يبادر أحد نحو ترميم العلاقات الفلسطينية الداخلية المتوترة فالمصالحة والعودة إلى «خارطة طريق» متفق عليها ستكون حافزاً قوياً للمقدسيين.


وأخيراً، ينبغي الانتباه إزاء إمكانية تفجير الأوضاع بين القطاع وإسرائيل، لسبب رئيس وهو أن مثل هذا الانفجار سيحوّل الأنظار نحو غزة ، وربما يمكن اسرائيل من اجهاض هبّة القدس، لذلك تكفي العودة للوسائل الخشنة التي ترهق الاحتلال، والحذر من إمكانية التفجير الواسع.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد