هناك ضباب كثيف مصحوب بعواصف رملية تهب على الساحة الفلسطينية تحجب الرؤية، وتتسبب في وقوع حوادث صعبة، يتمرد عليها البعض والبعض الآخر يفضل البقاء في المنزل، والاكتفاء بالدعاء.


قرار الرئيس محمود عباس ، بعد لقائه مع فصائل منظمة التحرير والقاضي بتأجيل الانتخابات، التي كانت ستدخل في اليوم التالي مرحلة الدعاية الانتخابية، أحدث أثراً عميقاً في الأوضاع الفلسطينية عموماً.


القرار لم يكن مفاجئاً لكنه كان صاعقاً، فلقد وضع حداً لأمل بسيط تولّد عند الجميع، بعد اتفاق الفصائل، ومراسيم الرئيس، أمل كان خاضعا للمراهنة عما اذا كانت الانتخابات، ستؤدي إلى إلقاء حجر صغير في المياه الراكدة أم أنه سي فتح على تغيير جذري في الأوضاع الفلسطينية.
كان من المضحك المبكي أن تختلف تصريحات مسؤولين فلسطينيين، وهم يبحثون عن السبب الذي يقف وراء خطاب التأجيل بينما كانت الأغلبية تتحدث عن الموقف الإسرائيلي كسبب أساسي للتأجيل وهو ما كان جوهر خطاب الرئيس.


لم تنتهِ معركة القدس ، وهي معركة سياسية بامتياز ومستمرة طالما تواصل إسرائيل التعامل معها باعتبارها العاصمة الموحدة الأبدية لها، فيما يصر الفلسطينيون مدعومين بالقرارات الدولية على اعتبارها درّة التاج، والعاصمة التي لا يمكن أن يحصل الفلسطينيون على دولة دونها.


انتصر المقدسيون في معركة باب العامود، كما سبق لهم أن انتصروا في معركة البوّابات الالكترونية، واتضح أن بإمكانهم أن يحققوا المزيد من الانتصارات بالرغم من البطش الاحتلالي.


انتصر المقدسيون، وكان حريّا أن يعزز انتصارهم قرار المضي قُدماً نحو الانتصار في معركة الانتخابات.


كان الانتصار في معركة الانتخابات سيكون عظيماً، وعظيم الانتصار، لو أن الفلسطينيين حققوا ما أرادوا، وأنجزوا انتخاباتهم بالرغم من المعارضة الإسرائيلية والمحاولات الحثيثة التي قامت وكانت ستقوم بها قوات الاحتلال لإفشال الانتخابات الفلسطينية.


تعودت إسرائيل على توظيف أزماتها، وهي منذ بعض الوقت تعاني أزمة حكم وأزمة نظام ديمقراطي، تعودت أن تستغل تلك الأزمات في تعطيل أي جهد دولي لتنشيط عملية السلام، ولإفشال أي جهد فلسطيني يتعارض مع مصالحها.


غياب حكومة مستقرة ليس سوى ذريعة اسرائيلية للتهرب من الضغوط الدولية لإفساح المجال لإجراء الانتخابات الفلسطينية، لكن هذه الحكومة غير المستقرة، تكون فاعلة جداً، وقوية جداً في المصادقة على قرارات توسيع الاستيطان، وقمع الفلسطينيين، وتدمير البيوت ومصادرة الأراضي.


هذه الحكومة غير المستقرة، تقوم بعمليات عسكرية ضد إيران، في البر والبحر، وفي سورية والعراق، ولا نظن أنها ستبدي ضعفاً أو تردداً في ارتكاب أي عدوان بشع إذا استوجب الأمر ذلك أو إذا كان ذلك سيخدم مصالح نتنياهو الشخصية.


لا يصدق بعض الفصائل أن السبب وراء التأجيل هو موضوع القدس، رغم أنها تصر على أهمية مشاركة المقدسيين في الانتخابات، وتعيد السبب إلى أوضاع حركة فتح، التي ستخوض الانتخابات بثلاث قوائم.


هنا يترتب على حركة فتح أن تبرر ذلك، بعمل جدي مجد من خلال التفاعل النشط مع المجتمع الدولي، وبضمنه العربي والإسلامي لكي تفرض على إسرائيل عدم التدخل في الانتخابات.


في الواقع المجتمع الدولي منقسم بشأن هذه المسألة، فالولايات المتحدة خصوصاً، لا تحرك ساكناً في اتجاه إقناع اسرائيل أو إرغامها على الامتثال وهي تتذرع بمخاوف من أن تفوز فيها حركة حماس ، الأوروبيون متحمسون منذ البداية، لكنهم عاجزون حتى عن إقناع أو إرغام إسرائيل على القبول بدخول مراقبين إلى القدس.


الموقف الرسمي الفلسطيني يبدو في حالة حرج، بسبب بيان الاتحاد الأوروبي، الذي طالب السلطة بتحديد موعد قريب لإجراء الانتخابات من واقع عدم القناعة بتأجيلها، بعد ذلك البيان أربع دول أوروبية مهمة، هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا طالبت السلطة بتحديد موعد جديد معلوم لإجراء الانتخابات وهم بالتأكيد على علم بوجود عقبة إسرائيلية.


العرب كأن بهم صمم، إذ لم تظهر مواقف مؤيدة أو معارضة للتأجيل ويبدو أن معظم الدول العربية، لا يفضل إجراء الانتخابات، ولديها المخاوف ذاتها، التي تتحدث عنها الولايات المتحدة، وإسرائيل هي من سبقت الجميع لإطلاق مثل هذا التحذير.


الساحة الفلسطينية، فقدت الرؤية، ولم يعد أحد من الفلسطينيين لديه ما يقوله بعد التأجيل، سوى الرفض والاحتجاج، أو الصمت والمشاركة في التبرير ما يعني أن الأوضاع عادت إلى مربع الصفر حيث التوتر وتبادل الاتهامات، وتعميق أزمة الثقة.


المبادرة الوحيدة التي جرى إطلاقها من قبل الرئيس هي، الاتجاه لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بمشاركة الأطراف التي تلتزم القرارات الدولية، ما يستثني عملياً الحركات التي ترفض شروط الرباعية الدولية، لا ينتبه وربما يتجاهل بعض الفلسطينيين مبادرات عربية تسعى وتشجع على تشكيل إدارة أوسع من حمساوية لقطاع غزة ، ستكون مدعومة بقوة من قبل إسرائيل، التي تنتظر هذه الفرصة منذ زمن.
إذ لا يمكن التساهل بشأن هذه المبادرة فإن ذلك يرتب على الرئيس وقيادة فتح أن تستثمر الوقت لإعادة ترميم صفوفها، وتحديد موعد جديد للانتخابات، والمبادرة إلى حوار جاد يصل ما انقطع بين الفصائل.
 

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد