ها قد انتهى الموسم، وانفضّ العرس، دون أن يعرف الناس ما إذا كان بالإمكان العودة إلى عرس جديد بعد أن يتدخل الوسطاء لحل المشاكل بين أهل العروسين، أم أن الخلاف سيمتد ليأخذ أشكالاً من الانتقام. ها قد تبدد الأمل الذي استمر لأشهر قليلة مغلفا بالشكوك إزاء إمكانية تغيير الواقع الفلسطيني إلى الأفضل ولو بخطوة واحدة، ولا بد أن يكون قد انتهى الجدل بشأن أولوية البداية من الانتخابات أم من المصالحة العامة بعد أن تتم المصالحات الخاصة. المهم ألا ينتهي موسم الحوار، إلى أن نبلغ الحلم.

على الأرض أصبحت الثقة منعدمة بين الجمهور الفلسطيني وقياداته السياسية وفصائله، بعد خيبة الأمل الكبرى الأشد وجعاً من سابقاتها. النظام السياسي يكاد ينهار، تحت وطأة الحسابات الخاصة والفصائلية، والتدخلات الخارجية، وتوالي الانقسامات، وتعمّق الموجود منها.


إسرائيل الطرف الآخر في معادلة التناقض تعيش منذ فترة ليست قصيرة أزمة تفوق أزمة الحكم وأزمة الديمقراطية، وثنائية الاحتلال، والعنصرية المحمية بإرهاب يمتلك من الأدوات والوسائل ما يكفي لتدمير كل شيء. الطرف الفلسطيني ليس في أحسن أحواله، فهو الآخر، يعاني الانقسام والضعف، وغياب الثقة، وتدهور الأوضاع المعيشية، ويعاني الحصار، وفوق كل ذلك تراجع مكانة وأهمية القضية الفلسطينية، على مختلف المستويات وأولها على المستوى العربي.


الديمقراطية على كل أرض فلسطين التاريخية في خطر، وذلك بسبب طبيعتها المصطنعة، وضعف جذورها في المجتمعات القائمة، والأطراف تتواجه بحقيقة ما هي عليه من قيم، فالفلسطيني صاحب الحق كل الحقوق والإسرائيلي يجاهد من أجل البقاء لأطول فترة ممكنة لأن روايته مزورة وطارئة على مسيرة التاريخ.


لم تعد هذه الحقيقة، حصراً بالفلسطيني ومن يناصره، فالشواهد الحيادية تتراكم لصالح الرواية الفلسطينية ابتداءً من قرارات الأمم المتحدة إلى تقرير غولدستون والعديد من التقارير الدولية، إلى قرارات الجنائية الدولية، وأخيراً وليس آخرا تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأميركية التي تتهم إسرائيل بالتمييز العنصري والاضطهاد.


لعلّ تلك الشهادات، تنفع في إقناع بعض أبناء الأمة العربية بأن توافقاتهم مع هذه الدولة العنصرية، ان هي ألا خروج عن الوعي العلمي والمنطقي، إذ لا أحد يحظى بحسنة حين يقيم علاقة من أي نوع ومستوى مع دولة عنصرية، احتلالية، توسعية وإرهابية.


الأوضاع العامة هي في صالح الشعب الذي يقاوم الاحتلال ويبحث عن حقوقه، لكن القوة الذاتية الفلسطينية تفتقر إلى القوة، قوة الوحدة وقوة البرنامج ووضوح الهدف، وبالتالي تفتقر إلى القدرة على الاستثمار رغم وضوح الجدوى. سؤال الانتخابات الفلسطينية، من حيث إمكانية إجرائها أو تأجيلها أو حتى إلغائها، ظل مرفوعاً، يتحدث عنه الراغبون في التأجيل بقوة مبالغ فيها، ويتحدث عنه المتشككون بقدر من التحفظ حتى لا يظهروا وكأنهم بوم ينعق بالخراب.


فوضى عارمة تجتاح المشهد الفلسطيني إزاء إمكانية إجراء أو تأجيل الانتخابات في مرحلتها الأولى، فالبعض يؤكد على ضرورة إجرائها وتجاوز العقبة الإسرائيلية بشأن القدس ، والبعض الآخر يبحث عن الذرائع. ثمة من يتحدث عن أن إسرائيل قدمت جواباً شفهياً بأن إسرائيل أبلغت السلطة قرارها بمنع المقدسيين من المشاركة بينما تنفي إسرائيل ذلك، وتقول، إنها لن تتدخل في الانتخابات، باعتبارها شأناً فلسطينياً. وثمة من يشير إلى ضغوط أميركية وعربية لا ترى ضرورة لإجراء الانتخابات في ضوء احتمال فوز حركة حماس ، التي لا يرغب الكثيرون في أن يجدونها على سدة القرار والمؤسسة الفلسطينية.


الأسوأ من بين الباحثين عن مبررات، من يقول، إن حركات التحرر الوطني، لا يجوز لها إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال إلا مرة واحدة، وان إجراءها للمرة الثانية كان بسبب اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات. لماذا كل ذلك، إذا كان المواطن الفلسطيني مثله مثل السياسي يعرف الحقيقة، والحقيقة أن الأمر في الأساس يتصل بالإرادة الفلسطينية وبالحسابات الفلسطينية، وبطبيعة الانقسامات الموجودة التي تهدد، بإسقاط ثوابت تاريخية في مقدمتها، إزاحة أو إضعاف دور حركة فتح في قيادة السفينة الفلسطينية. كإنسان فلسطيني لا أتمنّى أن يضعف أو ينتهي الدور التاريخي القيادي لحركة فتح، ولكن أرجو أن تكون هذه الأمنية موجودة لدى حركة فتح، التي عليها أن تعرف كيف تحافظ على دورها ومكانتها، وإلاّ فإن التاريخ لن يرحم، والأمر ليس مرهوناً بإجراء الانتخابات من عدمه. لماذا يقرر الفلسطينيون إسقاط الراية في هذه المعركة، المضمونة، في مواجهة الاحتلال، لا يرى في إجرائها أدنى مصلحة له؟ بعد التأجيل الذي يبدو أنه دخل حيز التنفيذ بانتظار قرار الرئيس محمود عباس ، ثمة مخاوف كثيرة تسود الشارع الفلسطيني السياسي، العام والاجتماعي.


ماذا بعد إعلان التأجيل، وهل يكون الفلسطينيون أمام موعد آخر، أم أن التأجيل سيكون دون تحديد موعد جديد، وكيف ستكون ردود الأفعال الفلسطينية الفصائلية إزاء ذلك؟


هل يكون الفلسطينيون أمام جولات أخرى من الحوار، وتفعيل الوسطاء لتأمين توافقات جديدة، أم أن الأوضاع مفتوحة على مزيد من التوتر والصراع، وتعميق الانقسام أم أن ثمة إمكانية لتجاوز هذه التوقعات وكيف يمكن أن يكون ذلك؟ بصراحة، لا سبيل لتقديم النصائح، ففي كل الحالات لم نعتد على أن نجد من يسمع النصح، ولكن الأهم هو أن يشكل ذلك حافزاً لحركة فتح لكي تعيد ترتيب صفوفها وان تستعيد وحدتها، وإلاّ فإن الخسارة ستكون فادحة.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد