لم يكن الأمر بحاجة إلى التصعيد الأخير في مدينة القدس ، حتى يتم التأكيد مجددا، على ثابت فلسطيني يجمع عليه الجميع، وهو أنه لا انتخابات دون مشاركة المقدسيين فيها، ترشيحا وانتخابا ومن ثم دعاية انتخابية، لكن التصعيد كانت له أسباب أخرى، ربما يغلب عليها الدافع على الجانب الآخر، أي الإسرائيلي، حيث إن استمرار العجز الداخلي عن تشكيل الحكومة يضغط على بنيامين نتنياهو ، الذي بات متأكدا مجددا، من فشله في تشكيل الحكومة، رغم تكليفه رسميا بتشكيلها قبل نحو ثلاثة أسابيع من الآن.


الحقيقة أيضا تقول، إن الضغط على نتنياهو، لا يقف عند حاجز تشكيل الحكومة، بل يتعداه إلى تزايد الفجوة بينه وبين البيت الأبيض، وكلما مر الوقت ومباحثات فيينا تسير سيرا حسنا، دون أن ينجح نتنياهو بكل ما أقدم عليه ميدانيا وسياسيا في منعها أو عرقلتها، أو حتى فرض مسار آخر للاتفاق، يذهب به إلى أن يكون اتفاقا جديدا، تضاف إليه بنود لم تكن فيه من قبل، كلما ضاق نتنياهو ذرعا وتزايدت حاجته لفعل ما، كذلك يمكن اعتبار دافع نتنياهو من إطلاق العنان للمستوطنين لاستفزاز الفلسطينيين، بدافع الضغط على الشركاء المناكفين في معسكر اليمين، والذين وقفوا حائلا هذه المرة دون نجاحه في تشكيل حكومة اليمين المستقرة برئاسته.


أي انه يسعى لوضع يمكن معه إعلان حالة الطوارئ، كخيار أخير ممكن لتشكيل حكومة برئاسته، فيما الجانب الفلسطيني - الرسمي منه بالطبع - لا يمكنه أن يقبل بأي مشاركة مقدسية في الانتخابات تختلف عما جرى في المرتين السابقتين، عامي 1996، 2006، وذلك حتى لا يظهر وكأنه قبل كأمر واقع الإعلان الأميركي في كانون الأول 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وحيث إن القيادة ومنذ وقت مبكر قامت بالاتصال بكل أركان المجتمع الدولي، لإجبار إسرائيل على القبول بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، كما تجري في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ، لكن حتى الآن، يبدو أن الحصيلة غير مطمئنة، أو غير كافية، حتى يمكن القول بثقة بإن قطار الانتخابات التشريعية الفلسطينية، قد أقلع تجاه محطته الأخيرة.


عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية عزام الأحمد، أوضح قبل أيام أنه باستثناء هولندا، لم تبد أي دولة نيتها حتى بالمشاركة في الإشراف على الانتخابات، وهذا أمر بالغ السوء، وحتى نكون موضوعيين، نقول، إن العالم منشغل جدا بملفات أكثر سخونة، منها بالطبع ملف إيران وملف أوكرانيا، كذلك فإن واشنطن وحتى أوروبا، لا يمكنها أن تضغط على إسرائيل في ملفين بوقت واحد، أي الملف الإيراني وملف الانتخابات الفلسطينية، أما العودة للتفكير بما سبق أن اقترحه أكثر من متابع أو مهتم فلسطيني، وهو أن يشارك المقدسيون بالاقتراع عبر البريد، فإن ذلك أمر في منتهى الخطورة، فالصراع الفلسطيني/الإسرائيلي على هوية القدس، وليس على هوية أو انتماء المقدسيين.


لذا فإن اهتمام القيادة الفلسطينية في اجتماعها أول من أمس، أو إصرارها على أن يتضمن شرط مشاركة القدس في الانتخابات ليس الانتخاب والترشح وحسب، ولكن أيضا الدعاية الانتخابية، يأخذ بذكاء ووضوح هذا الأمر بالغ الأهمية بعين الاعتبار.


القدس الشرقية جغرافيا هي محور الصراع الدائر، وحيث إنه ليس بعد الاحتلال من جرم، فإن خطيئة تعطيل الحياة الديمقراطية، تكون بذلك جريمة احتلالية أيضا، لكن على القيادة الفلسطينية، أن تحافظ على أجواء الوحدة الداخلية التي تجلت في التوافق حول الانتخابات، وإذا كان قرار إجرائها قد اتخذ بناء على ذلك التوافق، فإن أي إجراء آخر يجب أن يتخذ ضمن ذلك التوافق.


وحيث إن القدس قد اعتادت ومنذ أعوام مضت على أن تدفن كل المحاولات الإسرائيلية الفجة، لطي صفحتها، وابتلاعها، وكما فعلت في تموز العام 2018، بتحطيم البوابات الالكترونية، ها هي تحطم البوابات الحديدية في باب العامود، بما فرض تراجعا على الاحتلال حتى في نيته مهاجمة غزة، للخروج من مأزقه السياسي/الأمني المركب أو المزدوج، خاصة بعد الفشل الأمني ليس في اعتراض قبته الحديدية لصواريخ غزة التي أطلقت للتضامن مع القدس، بل في اكتشاف الصاروخ السوري الذي وصل ديمونا!


والحقيقة أن إسرائيل تأخذ بعين الاعتبار ما قد يقدم عليه الجانب الفلسطيني، وتقطع عليه الطريق قبل وقت، فهي تقدر بأن مرشحي القوائم عن القدس، ما ان تبدأ الدعاية الانتخابية، حتى يشرعوا في ممارسة حقهم الانتخابي، لذا فقد بدأت حملة الاعتقالات مبكرا، وحيث إن القوائم قد شملت مرشحين عن القدس، فيما الناخبون من القدس يمكنهم بأي طريقة الاقتراع، تبقى عقدة المنشار، هي الدعاية الانتخابية داخل مدينة القدس الشرقية، وهذا هو الحق الذي يجب عدم التنازل عنه ولا بأي شكل، لأنه يعني الخروج الفلسطيني من جغرافيا المدينة المقدسة.


لذا فإذا كانت هنالك من معركة ميدانية لابد من خوضها لفرض إجراء الانتخابات التي تعيد الوحدة الداخلية، والتي لا بد أن تعني هذه المرة أيضا، كنس قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما لو أنه لم يكن، وحتى يبقى حبراً على ورق، لابد من ربط إجراء الانتخابات بسماح إسرائيل بممارسة الدعاية الانتخابية في القدس، وإلا فإن غير ذلك يعني أن انتخابات دون جغرافيا القدس، تكرس الحكم الذاتي الفلسطيني، وتقطع الطريق على الدولة المستقلة بشكل نهائي، بحيث يمكن القول، إن برلمان فلسطين لن يكون أكثر من مجلس بلديات أو مجلس حكم محلي إقليمي، وربما لا يكون كافيا انتظار أن تضغط أوروبا والمجتمع الدولي وحتى أميركا على إسرائيل من أجل فتح الباب لإجراء انتخابات ثالثة كما جرت سابقا، لذا فإن إسناد التحرك الرسمي، ربما يكون بحاجة إلى ضغط ميداني، من كل المعنيين، أي القوائم المرشحة، لتبدأ دعايتها الانتخابية في القدس بين المصلين، تكتب شعاراتها وبرامجها على مفارش الصلاة، وعلى الجدران والمآذن، وفي كل مكان داخل أسوار القدس، وهذا سيجر إلى مواجهة، وليكن، فإن لم يسر المرشحون على طريق المرابطين في القدس، فلا حاجة للقدس بهم، ومعركة القدس هي معركة فلسطين كلها، فإما الحرية، وإما مواصلة الكفاح من أجلها.

 

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد