مع تقدم المباحثات بين أطراف مجموعة 5+1 وإيران في العاصمة النمساوية، فيينا، تظهر إسرائيل حنقا متزايدا، وضيقا متصاعدا، جراء الاحتمال المرجح بأن تنجح المباحثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران برعاية شركاء الدولتين في الاتفاق المبرم بينهما العام 2015 والخاص بالملف النووي الإيراني، في التوصل إلى اتفاق تعود معه الدولتان للاتفاق مجددا، بعد أن تنصلت منه الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب العام 2018، بتحريض إسرائيلي في ذلك الوقت.
وقد خصص الكابينيت «المجلس السياسي ـــ الأمني» الحكومي الإسرائيلي المصغر، اجتماعه الأسبوعي، أول من أمس، لمناقشة هذا الملف، معتبرا بكل صراحة ووضوح، أن مباحثات فيينا تثير القلق لديه، ولمزيد من التأكيد، على أن إسرائيل، لن تعترف بالاتفاق، بل إنها ستخرج عنه، بحث «الكابينيت» في الخيارات العسكرية التي سيقدم عليها تجاه إيران.
وهذا يعني بأن إسرائيل لم تيأس بعد من منع عودة واشنطن للاتفاق المذكور، ولم تكتف بما فعلته حتى الآن من أجل ذلك، من الدخول في حرب السفن في مياه الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، مع إيران، ولا بالاعتداء على سيادة دولة إيران باغتيال مواطنيها، وشن الغارات على مؤسساتها، خاصة تلك الخاصة بالمفاعل النووي.
إن إسرائيل التي تواصل العزف على أوتار التوتر الإقليمي ـــ وهذا بالمناسبة ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد باحتلالها لأرض دولة فلسطين ــــ تثير قلقا دوليا متزايدا، لن يطول الوقت، حتى يدرك العالم بأسره خطورتها على الأمن والسلم الإقليميين أولا والعالميين ثانيا، ذلك أن الدول التي عقدت الاتفاق مع إيران وترعى العودة له حاليا، ما هي إلا الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، وهي الدول التي تعتبر مسؤولة رسميا عن العالم، ومجلس الأمن هو نفسه الذي طالما حمى إسرائيل من تحويل الكثير من قرارات الجمعية العامة، الخاصة بجريمة احتلالها لأرض دولة فلسطين، وما ينسحب منها من جرائم عديدة، إن كان من خلال استخدام حق النقض «الفيتو»، من قبل دول الغرب، وخاصة أميركا، أو من خلال عدم إدراج بعض قراراته القليلة التي اتخذها ضدها تحت البند السابع الملزم بالقوة.
وإسرائيل خاصة وهي محكومة باليمين، وتحت ضغط اليمين الفاشي المتطرف، تبدو خارجة تماما عن التوافق مع النظام العالمي، خاصة وهي تعيش، اليوم، لحظة حرجة، جراء مأزق تشكيل الحكومة بعد انتخابات برلمانية رابعة غير حاسمة، و بنيامين نتنياهو الذي خرج بدولة إسرائيل خلال سنوات حكمه العديدة من مسار الحل السياسي مع الجانب الفلسطيني، بعد اتفاق أوسلو، يواجه القضاء، ويحاول أن يقوم بتقويضه، بعد أن دفع بإسرائيل أيضا إلى تخوم الدولة العنصرية الصريحة، بعد سن عدد من القوانين التي تميز بين مواطني الدولة على أساس العرق والدين، بنيامين نتنياهو يبدو، اليوم، خطرا جدا، فهو لا يتوقف عن بث التوتر بالتحريض ومن خلال ما يمكنه القيام به، إن كان عبر حرب السفن أو اختراق أجواء سيادة الدولة الإيرانية، أو من خلال البحث عن أماكن يمكنه فيها أن يبث فيها سمومه كما يفعل، اليوم، ضد غزة .
لكن الانقلاب الذي حدث في واشنطن، أثبت بأن العالم لن يعود للقرن العشرين، لا عند منتصفه، أي للحظة الحرب العالمية الثانية، ولا بعد ذلك، أي لأجواء الحرب الباردة، التي وفرت لإسرائيل الحياة والأجواء التي تثير فيها روح التوسع عبر احتلال أراضي الغير، ثم في أن تجلس بمكانة الدولة التي هي فوق القانون الدولي، وكل ما حققته بمساعدة إدارة ترامب الصفيقة، ها هو يتبدد، ولم يعد اليمين الإسرائيلي ولا نتنياهو يجد، لا ديفيد فريدمان، ولا جاريد كوشنير، ولا جيسون غرينبلات، في البيت الأبيض، ولا أمثالهم يحومون في الشرق الأوسط، يبحثون عن نقاط ضعف بعض الأنظمة لجرها إلى مستنقع التطبيع مع إسرائيل، وفرض صفقة العصر.
إن بدء تصدع الجدران التي قام اليمين الإسرائيلي ببنائها في عهد دونالد ترامب، يظهر في أولا تفويت إيران الفرصة عليه في منع العودة للاتفاق النووي، ثم في توقف ملف التطبيع عند الحدود التي وصلها قبل مغادرة الطاقم الصهيوني للبيت الأبيض، وكل ما حاول نتنياهو متابعته في هذا الشأن، فشل، خاصة في محاولة دفع المملكة العربية السعودية، للالتحاق بذلك الركب الرديء، لأنه يعرف وزنها ومكانتها، بل إن أكذوبة مواجهة إيران وحماية الخليج من أطماعها سرعان ما اتضحت، فيما تعثر ملف التطبيع مع السودان والمغرب، وليس هناك سوى الإمارات التي ما زالت تغني على لحن نتنياهو، الذي ضاق به ذرعا حتى اليمين الإسرائيلي نفسه.
المهم أن إسرائيل تدخل في عزلة سببها عدم توافقها مع السياسة الدولية المتوازنة، التي تقوم على أساس التوافق بين الدول العظمى الدولية والإقليمية، لكن إسرائيل، ما زالت تبحث عن «حلفاء أو شركاء»، على طريق مختلف، وقد ظهر ذلك في اللقاء الرباعي الذي عقدته مع كل من اليونان وقبرص والإمارات.
هذا الرباعي يعني بأن إسرائيل تتحالف مع خصوم إيران وتركيا، وهي التي تعتبر تركيا الدولة التي تمتلك أقوى أسطول بحري في المنطقة، وهي أي إسرائيل، من الواضح أنها ما زالت تفكر في السيطرة والهيمنة، وكل ما تثيره من صخب تجاه إيران، سببه محاولتها منع النمو الاقتصادي والتطور عن الدولة الإقليمية، ذلك أن الاتفاق النووي يتيح لها فرصة استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، فيما هي تحاول أن تضع يدها على كل الغاز المكتشف في شرق المتوسط، والتخلص من منافسة تركيا، وهكذا تجد نفسها في حالة من التصادم مع اثنتين من أقوى الدول الإقليمية في الشرق الأوسط.
وكل ما تقوم به إسرائيل وهي في عهدة اليمين يشير إلى أنها ما زالت تعيش في الماضي، حيث كانت الدول تتصارع لدرجة شن الحروب من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية، لذا، وحيث إن الماضي لا يعود، فإن إسرائيل مجبرة على لفظ يمينها المتطرف، وعلى الرضوخ لإرادة التوافق الدولي، وإلا فإنها ستجبر على ذلك من الخارج، الذي لن يشن حربا لا دولية ولا إقليمية من اجل بقاء نتنياهو في الحكم.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية