سارعت قيادات من حزب الليكود الإسرائيلي لمهاجمة رئيس الدولة الليكودي أصلاً رؤوفين ريفلين، قبل أن يبدأ مشاورته مع قادة القوائم التي دخلت البرلمان، لتكليف أحد أعضائها بتشكيل الحكومة، وذلك على خلفية إعلانه بأنه ليس بالضرورة أن يقوم تلقائياً بتكليف رأس القائمة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، والذي هو بالطبع بنيامين نتنياهو ، نظراً لأن قائمة الليكود فازت بثلاثين مقعداً، وهو أكبر عدد من المقاعد تفوز به قائمة انتخابية إسرائيلية، في الانتخابات التي جرت قبل أسبوعين، حيث سيلتقي ريفلين خلافاً لما هو معتاد ممثلي كل القوائم في يوم واحد.
مبعث مأخذ قادة الليكود على رئيس الدولة، هو أن التقليد جرى على أن يقوم رئيس الدولة بتكليف من حصل على أكبر عدد من المقاعد، ولكن ذلك كان في وقت كان يجري فيه التنافس بين قطبين، ومن يفوز منهما يحصل تلقائياً على الأغلبية البرلمانية التي تؤهله لتشكيل الحكومة، ونيلها ثقة البرلمان، ولكن إسرائيل لم تعد كذلك، فليس فقط حزب العمل ومن ثم اليسار، قد خرج من دائرة التنافس، بل الليكود نفسه، ورغم أنه ما زال أكبر حزب في إسرائيل، إلا أنه بالكاد حصل على ربع أعضاء الكنيست ، بل واليمين التقليدي الذي يمثله، يبدو أنه في طريقه للتلاشي لصالح يمين أكثر تشدداً، يمثله خصماه حالياً، نفتالي بينيت وجدعون ساعر، لذا كان فيما قاله ريفلين بعض الوجاهة .
سيقوم ريفلين بتكليف من يقتنع بقدرته على تشكيل الحكومة، وذلك بعد أن يلتقي ممثلي الكتل البرلمانية تباعاً، وبعد أن يسمع منهم الإجابة على سؤالين هما: على من يوصون، ومن هو المرشح الذي لا يرفضونه، حيث ينافس نتنياهو كل من يائير لابيد ونفتالي بينيت، وريفلين يحاول بذلك أن يتصرف كرئيس مسؤول، وليس كمجرد «ساعي بريد»، أو شخصية شكلية تماماً، وهذا يعني بأنه لن يقوم بتكليف نتنياهو تلقائياً، لهذا احتج قادة الليكود، لأن من يكلف أولا ينال امتيازاً خاصاً، يتعين على خصومه، أن يثبتوا فشله أولاً، وثانياً، قدرتهم على حشد الأغلبية من خلال توصية الرئيس، الذي سيضطر حينها للقاء ممثلي الكتل البرلمانية .
حقيقة الأمر، انه ما أن أعلنت نتائج الانتخابات الرابعة التي تجري في إسرائيل خلال عامين، حتى تبين بأنها مشابهة تماماً، لنتائج الانتخابات السابقة كلها، ورغم أن مجموع قوائم اليمين والحريديم تحقق تفوقاً كبيراً على اليسار والوسط والعرب، إلا أن خروج قوائم يمينية تباعاً من معسكر نتنياهو هو الذي وضع إسرائيل في هذه الحالة، وكانوا تباعاً: إسرائيل بيتنا/ افيغدور ليبرمان، أمل جديد/ جدعون ساعر، ويمينا/ نفتالي بينيت، وهؤلاء ممثلون اليوم بعشرين نائباً، وذلك يعني بأن اليمين بشقيه التقليدي والمتطرف يجمع 56 نائباً، يكفيه أن يتحالف فقط مع واحد من أحزاب الحريديم، أو حتى مع كاحول لافان ليشكل حكومة يمينية مستقرة.
لكن كل هؤلاء، من ليبرمان حتى بيني غانتس اعتراضهم الوحيد هو على شخص نتنياهو، المتهم بالفساد أولاً، والذي بتربعه على مقعد رئيس الحكومة طوال أربعة عشر عاماً منها اثنا عشر عاماً متواصلة، يكرس نظام حكم فردي مستبد، يدفع ديمقراطية الدولة للتآكل.
لم تنته المعركة حول تشكيل الحكومة إذاً بإجراء الانتخابات الرابعة، وتأكد استمرار المأزق، بما يهدد بالذهاب لانتخابات خامسة قريباً، وهذا المسلسل بات مرتبطاً دون شك بشخص نتنياهو، لذا فإن معارضيه ينوون التقدم للكنيست بإجراءين يحتاجان فقط للأغلبية البسيطة، وهما تغيير رئيس الكنيست الموالي لنتنياهو، والتقدم بمشروع قرار يمنع المتهم بقضايا الفساد من التكليف، كذلك التقدم بمشروع قرار غير شخصي، وهو اقتصار من يشغل منصب رئيس الحكومة على ولايتين فقط.
مثل هذه القرارات في حال نجحت يمكن أن تعيد اللحمة بين أحزاب اليمين، وذلك لأن البديل على الجانبين، يتطلب أن يتراجع حزب أو أكثر عن تعهداته لناخبيه، أو أن يعتمد أحد المعسكرين على واحدة من القائمتين العربيتين، وهذا أمر مستحيل. فعلى جانب معسكر نتنياهو الذي أظهر استعداده لتشكيل حكومة تعتمد على القائمة العربية بقيادة منصور عباس، سارع حزب الصهيونية الدينية إلى الرفض، فيما يرفض على الأقل نفتالي بينيت مشاركة مناهضي معسكر نتنياهو حكومة تعتمد على تأييد العربية المشتركة من الخارج.
وفي الطريق توالت العروض على بينيت أولاً ومن ثم على ساعر، فقد عرض نتنياهو على بينيت أي منصب يريده رغم أنه لم يحصل سوى على سبعة مقاعد، فيما عرض زعيم المعارضة البرلمانية لبيد على بينيت رئاسة الحكومة بالتناوب، وكل هذه العروض تبدو غير كافية للخروج بإسرائيل من المأزق.
انسداد الأفق هذا دفع لظهور اقتراحات أخيرة من أوساط الليكود نفسها، تقر بالعجز، ومفادها عرض منصب رئيس الدولة على نتنياهو كمخرج يتيح له الإفلات من المحاكمة القضائية ومواجهة مصير مشابه لايهود اولمرت الذي قضى سنينَ في السجن، لكن عدم وجود نص قانوني صريح يسمح لمرشح أولا لمنصب لرئيس الدولة أن لا يكون متهماً، وثانياً، أن لا يحاكم وهو في المنصب، لم ينقل المقترح لدائرة التنفيذ، فضلاً عما هو معروف عن نتنياهو من عناد ومن إصرار على مواصلة الحرب حتى النهاية .
إن حالة نتنياهو بهذا الشكل، قد فتحت الأبواب واسعة على الطامحين بخلافته في زعامة معسكر اليمين، وهذا هو الباب الذي خرج منه كل من ليبرمان وساعر وبينيت تباعاً، أما جعبته الممتلئة بعدم الالتزام بما يتعهد به، وآخر ما في هذا السياق، إفشاله لاتفاق التناوب مع غانتس، يحد من قدرته على المناورة، وإقناع أي من بينيت أو ساعر، بالشراكة معه في حكومة إضافية برئاسته، وهو يحتاج دائماً لأن يبقى رئيساً للحكومة، حتى يتجنب القضاء، ولا يفقد الحصانة، ولكل هذا فإن المرجح هو أن تبقى إسرائيل عالقة في الوحل، وهذا الوضع يجعل من نتنياهو خطراً ليس على إسرائيل وحسب، ولكن على مجمل الإقليم، وربما كان هذا سبباً مباشراً لتحريضه المتواصل على عدم إغلاق ملف التصعيد لا مع إيران ولا مع سورية.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد