بقلم: الدكتور عصام يوسف .. رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة
تكشف ظاهرة تهافت الشباب الجزائري على العمل التطوعي والخيري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإنشائهم صفحات خاصة موجهة نحو إطلاق مبادرات تتنوع في تقديمها المساعدة للفئات الضعيفة في المجتمع، حجم تأصل روح المبادرة لتقديم يد العون للآخرين، وتوارث المفاهيم الخيرية عن الآباء والأجداد، وحالة التجذر لثقافة الخير والعطاء لدى الأجيال المتعاقبة.
حالة إبداع الشباب الجزائري التي اجترحوها في المجال الخيري، لم تكن رهناً بانتشار وباء " كورونا " وإلقائه بظلاله الثقيلة منذ ما يزيد عن العام، على أوضاع الشعوب المعيشية، ورفعه لمستويات الفقر والعوز والبطالة في مختلف دول العالم، بل إن الإبداع الخيري الشبابي في الجزائر سبق ذلك بأعوام طويلة، استطاع الشباب بمبادراتهم التطوعية الخيرية تقديم انموذج للشباب العربي الواعي المبادر الذي ينفع مجتمعه وأمته.
وتلفت المبادرات الشبابية الجزائرية على مواقع التواصل الاجتماعي، النظر إليها من خلال طبيعة الشريحة الشبابية الفاعلة فيها، بالدرجة الأولى، حيث التنوع الخلاّق بين الطلبة والموظفين والمتطوعين، فضلاً عن الناشطين في مجال العمل الخيري والإنساني، والمنتمين لمؤسسات خيرية، يضاف إلى ذلك ال حماس ة "والحركية" العالية في تنفيذ المشاريع التطوعية، حيث يظهر الشباب نشاطاً منقطع النظير في أدائهم لعملهم كما لو كانوا مقاتلين شرسين في ميدان الحرب.
إلى جانب ذلك، يمكن الإشارة إلى نوعية ما ينجزونه من مشاريع خيرية، توحي بالدرجة الأساس لحسهم الخيري العالي، وتلمسهم حاجة الفقراء والمحتاجين من مختلف الفئات، وربط العديد من المبادرات الخيرية بالمناسبات الاجتماعية كبداية العام الدراسي، وحاجة التلاميذ للتجهيزات لدخول المدرسة، وبداية موسم الشتاء الذي يرتبط بحاجة العائلات الفقيرة وأبنائها للملبس الشتائي المناسب، يضاف إلى ذلك المناسبات الدينية كعيد الأضحى و عيد الفطر ، وما يرتبط بهما من مشروعات متنوعة مهمة وذات أثر إنساني واجتماعي، وتكافلي، كبير.
ارتفاع وتيرة النشاط الشبابي الجزائري التطوعي شكّل رديفاً مهماً لنشاط العمل الخيري المؤسسي، من جهة، ومحفزاً له من جهة أخرى، سيما وأن الكثير من الناشطين في المجال الخيري يعملون على منوالي المشاريع التطوعية الشبابية التي تزخر بها وسائل التواصل الاجتماعي، بموازاة عملهم في مؤسسات العمل الخيري، حيث تعطي تجربتهم زخماً إضافياً وإثراءً للحالة الخيرية في البلاد، فضلاً عن نوعية وجودة المشروع الخيري الذي يتم تنفيذه، بما يعزز الشفافية والنزاهة والمهنية في إنجاز المشاريع المختلفة.
وتؤدي التجمعات الشبابية التطوعية أنشطة نوعية، تتجاوز كونها منفذة لأعمال خيرية، بل انها تسعى من خلال اللقاءات إلى تبادل الخبرات وطرح الآراء حول مشروعات من الممكن إنجازها، لتشرع في نشر الوعي، وأهمية تعزيز ثقافة العمل الخيري، واتخاذ توجهات نحو ضرورة تبني أفكار واعدة كتشجيع المشاريع الصغيرة، وانتشال الأسر الفقيرة من براثن الفقر من خلال الاعتماد على نفسها، وعدم اقتصار مبادراتهم على جمع التبرعات من المحسنين وتوزيعها على الفقراء.
ويعبّر جيل الشباب الجزائري عن حالة وعي مستمدة من الأجيال السابقة التي حرصت على ترسيخ أركان العمل الخيري، وفهمه إنطلاقاً من سجية وفطرة الشعب الجزائري التوّاق لعمل الخير، ويظهر ذلك من تسابق أبنائه لسد حاجة الملهوف، وحرصه على حفظ كرامة المحتاج من خلال تلبية احتياجه، ويبدو ذلك متجسداً بشكل واضح في المنظومة الفكرية الدينية التي يؤمن الجزائريون بها بشكل عميق، والتي تعتبر بأن العمل الخيري والإحسان هو جزء من عقيدة المسلم، وأحد الفرائض التي يجب على المسلم تحقيقها ليستقيم إيمانه.
وفي حين تحصي الجزائر أكثر من 140 ألف جمعية، تنشط من خلال أعمالها الخيرية عبر القرى والمدن والمحافظات، منها عشرات الجمعيات التي تجمع بين البعد الوطني والتعاون الدولي، تجدر الإشارة إلى أن البلاد تميزت في السنوات الأخيرة ببروز آلاف المجموعات الخيرية، وهي التي تتشكل في الأحياء بسرعة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتخصصها في نشاطات من قبيل التكفل بالحالات الطبية والعلاجية ذات التكاليف المرتفعة.
ويمثل إعطاء قضايا الأمة نصيب من الدعم الذي تقدمه الجمعيات الجزائرية خارج حدود البلاد، القاسم المشترك للعديد من الجمعيات الجزائرية، ويشكل تقديم الدعم للشعب الفلسطيني النصيب الأكبر من هذا الدعم الخارجي، باعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة، كما تحتل المساحة الأكبر في عقول وقلوب الجزائريين، الذي عبروا وما يزالون عن ارتباطهم الوجداني بالأرض والمقدسات في فلسطين، والتزامهم الأخلاقي بمساندة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل، وبشتى الطرق، على مدى التاريخ المعاصر للشعبين الشقيقين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية