أبرز ما في هذه الانتخابات هو كثرة القوائم المتنافسة فيها، وبالقدر الذي يعكس هذا حقاً من حقوق المواطنين، إلا أنه لا يمكن أن يكون صحياً بشكل كامل. ست وثلاثون قائمة تتنافس على مائة واثنين وثلاثين مقعداً. وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات بعد الثاني والعشرين من أيار وفرز النتائج، إلا أن الحقيقة وبقسمة بسيطة هي أن حصة كل قائمة تصل إلى ثلاثة مقاعد وأكثر بقليل. وإن تم احتساب متوسط القائمة بنصف عدد أعضاء التشريعي رغم أن القوائم الكبرى سجلت قائمة بتعداد الأعضاء، ولكن باحتساب النصف فإن قرابة ألفي مرشح للمجلس يتنافسون على أصوات الناس. وربما بحسابات أكثر دقة يتكشف الكثير من القضايا الدالة على جملة معقدة من الملاحظات.
ربما أن مرور خمسة عشر عاماً على آخر انتخابات تشريعية هو ما يجعل ال حماس ة الزائدة أمراً متوقعاً. أربع دورات انتخابية كان يجب أن تجري بين عامي 2006 و2021، لكن الانقسام جعل عقدها أمراً مستحيلاً. وها هو الانقسام يستمر ويبدو من الممكن تنظيم هذه الانتخابات على أمل أن تكون اللبنة الأولى في هدم صرح الانقسام العظيم، ليست شأناً بل ضخامة وتجذراً في الحياة. حماسة زائدة؟ ربما، لكنها تعكس كيف ينظر المواطنون للمستقبل. المستقبل الكلمة الأكثر غموضاً في السياق الفلسطيني، حيث لا يمكن لأيّ كان أن يتوقع ما الذي يمكن أن يحدث في الغد. من هنا، فإن أحداً لا يستطيع أن يعطي ضمانة أن الانتخابات القادمة ستكون في أيار من العام 2025، أي بعد أربع سنوات من الآن. لا أحد يمكن أن يعطي هذه الضمانة. فالانتخابات الأولى استمرت لعشر سنين والثانية لخمس عشرة سنة وعليه فالثالثة، أي الحالية، قد تستمر لعشرين. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا الانتظار؟ هذا حول حال الكثير من الشبان والشابات الذي شكلوا قوائم ويغامرون بخوض الانتخابات. ببساطة الأمر المتاح اليوم قد لا يكون متاحاً يوم غد. وإذا ما جرت الانتخابات هذه المرة قد لا تجري المرة القادمة. لذلك فإن ضمانة المشاركة فيها هي في أن تكون جزءاً منها. يبدو هذا حكيماً وإن لم يكن منطقياً.
هل هذا تعطش للمشاركة في العملية الانتخابية. تتذكرون على هذه الصفحة قبل أسابيع، أشرت إلى أن ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت ليس بالضرورة أمراً صحياً ولا يعكس اهتمام الناس بالعملية الديمقراطية، بل قد يكون معاكساً لذلك. أي أنه يعكس عدم ثقة، وبالتالي هو تسارع من أجل المشاركة للتأكد من الحد من أي انزلاق في نتائج العملية الانتخابية. والأمر ذاته ينطبق على وجود القوائم المتنافسة. انظروا كيف تكون المنافسات في الديمقراطيات المستقلة. هناك نوعان من هذه الديمقراطيات. الديمقراطيات الأكثر استقراراً تشهد عدداً أقل من الأحزاب والقوائم، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. ففي دولة مثل بريطانيا ثمة المحافظون والعمال كحزبين كبيرين وهناك الديمقراطيون الليبراليون وربما الخضر على أكثر تقدير. طبعاً على صعيد الدوائر هناك مستقلون وتوجهات محلية مختلفة لكنها لا تعكس تنافسا شعبياً واسعاً. في أميركا هناك الديمقراطيون والجمهوريون وربما بعض المنافسين الأقل شعبية. في دول أخرى هناك الديمقراطيون الاجتماعيون والديمقراطيون الكاثوليك وبعضها تكوينات يسارية مختلفة. النوع الآخر من الديمقراطيات تشهد تعدد الأحزاب المتنافسة مثل إيطاليا التي تتوالد الأحزاب من رحم سابقتها كل دورة ، أو مثل فرنسا. وهي تلك الدول الرأسمالية التي تشهد حضوراً قوياً لليسار، وبالتالي يكون هناك صراع مختلف يحاول المحافظة على التوازن في هوية الدولة وتوجهاتها. وفي كل الأحوال ثمة ديمقراطية مستقرة تجري الانتخابات فيها كل أربعة أعوام وبانتظام.
وبالإشارة إلى الحالة السابقة من تعدد الأحزاب المتنافسة في بعض الديمقراطيات المستقرة، فإنه في أحسن الأحوال لا تتجاوز عدد تلك القوائم العَشر أو العشرين على أكثر تقدير، ولا يمكن لها أن تصل إلى ست وثلاثين. ثمة عدم ثقة ملحوظة ومقلقة حول استمرار العملية في المرات القادمة. ولكن إلى جانب ذلك علينا أن نبحث في مدى قناعات مجتمع المواطنين في البرامج المطروحة. ففي أحسن تقدير لم يكن من الممكن تخيّل أن تزيد القوائم عن تعداد الفصائل الفلسطينية الكبيرة أيضاً والمقلق، والذي بدوره يعكس معالم مرحلة تاريخية كانت القضية الفلسطينية وتنظيماتها تعكسان توزع الجغرافيا الحزبية العربية. كان يمكن تفهّم أن تظهر كتل وقوائم بهذا الرقم غير القليل، ولكن أن تبلغ هذا العدد الكبير فإن ثمة ما يجب أن يستوقفنا. هل حقاً البرامج الحزبية الموجودة غير مقنعة؟ أشك بأن الإجابة يمكن أن تكون بالإيجاب، كما أشك أننا يمكن أن نتلافى بعض القلق من الفرص الأخرى. ببساطة لأن ما يتم طرحه من كل الكتل الجديدة لا يشكل برامج حقيقية يمكن أن يسير عليها شعب سرقت بلاده ونهبت أرضه وشرد في بقاع الأرض الأربع، بل تعكس ردات فعل غير مستقرة ومقلقة في ذات الآن.
لا يمكن تخيّل كم يبدو الرقم مهولاً في مساحة جغرافية ضيقة وبالنسبة لتعداد ناخبين صغير، وفي سياق سياسي غير مستقر ودولة غير ناجزة. من الصعب اعتبار أن هذا التنافس يعكس ظاهرة صحية بالنسبة لدولة غير مكتملة، ونظام سياسي قائم في جلّ مكوناته على التوافق على مدار العقود الستة الماضية.
ومع هذا، فإن الإجابات عن هذه الأسئلة لن تتضح إلا بعد نتائج الانتخابات. من المؤكد أن جل هذه القوائم لن يجتاز نسبة الحسم، لكن لا يمكن للتفكير حول سبب وجودها أن يتلاشى، إذ إنه ظاهرة لا بد أن يتم التوقف عندها ملياً ونحن نريد أن نعبر للمستقبل ولاستكمال تطلعاتنا الوطنية.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد