قبل انتهاء الموعد المحدد لإغلاق الباب أمام استقبال لجنة الانتخابات المركزية لقوائم المرشحين للمجلس التشريعي الفلسطيني الثالث، لوحظ أن أهم حركتين وهما «فتح» و» حماس » لم تسارعا للتقدم بالقوائم الخاصة بهما، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، تقدم العديد من القوائم تحمل أسماء «مستقلين» أو عاملين بقطاع الخدمة العامة، دون أن يعرف عن معظمهم أي نشاط سابق فيما يخص الحقل السياسي، وقد تقدموا للجنة المركزية للانتخابات بقوائم تحمل أسماء عديدة، فيما أعلنوا عن ملامح لبرامج خدمية عامة، فيها الكثير من التفاؤل وتعبر عن تطور ما، لابد من لحظة في جوهر المجتمع الفلسطيني، الذي لم يشهد انتخابات عامة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.
أما لماذا تلكأت حركتا «فتح» و»حماس» في إعداد قوائمهما الخاصة بالانتخابات، ومن ثم التقدم بها للجنة الانتخابات المركزية، فذلك يعود لأسباب، ليس أهمها ما تقوله الحركتان من أنهما تفسحان المجال للتوافق مع القوى الأخرى، بل لتجنب ما يحدثه إعداد القوائم من «جدل داخل» الحركتين، وإن كان بشكل أقل في حركة حماس، التي كانت قد استبقت التقدم للانتخابات العامة بانتخابات داخلية خاصة، انتخبت فيها بشكل أهم قيادتها في غزة ، حتى ت فتح الباب للتوافق على القيادة المركزية للحركة، وبعد أن «استوى» الأمر في حماس/غزة، صار ممكنا أن تتوافق أجنحة الحركة على قائمة انتخابية لـ «التشريعي»، ومن ثم على القيادة المركزية للحركة.
أما «فتح» وقد شهدت خروجاً عن بيت الطاعة المركزي، ممثلاً منذ سنوات بتيار محمد دحلان ، الذي لم يعد على أي حال فتحاوياً، ثم خروج ناصر القدوة بقائمة خاصة، وبالتالي عن «فتح»، فيما بقي الأهم بالنسبة للحركة هو أن تتحد القيادة المركزية مع القائد الأسير مروان البرغوثي لما يمثله من ثقل في الشارع وفي الصف الوطني على حد سواء، وهي نجحت في هذا، لكن بقي رضا الكادر الذي سينخرط في ميدان الكفاح من أجل نجاح القائمة بحصد أعلى الأصوات، وهذا تحد دائم أمام «فتح» منذ ظهرت إلى الوجود، فهي مطالبة دائما بالتفوق على الجميع، أياً كانت ظروفها وأحوالها.
السؤال التالي في الأهمية هو ما دامت الحركتان لم تتوافقا على التقدم بقائمة مشتركة، رغم وجود أغلبية شعبية بسيطة لهذه الصيغة، فلمَ لم تنخرط كلاهما في إعداد قوائم مشتركة مع الفصائل الأخرى؟ هنا نجيب بالقول، بأنه بعد أن توافقت الحركتان على نظام الشراكة، خاصة بعد الاتفاق على انتخابات متتالية أولاً ووفق التمثيل النسبي ثانياً، لم تعودا بحاجة لاستعراض أن تمثل أحدهما الكل الوطني أو الأغلبية فيما الأخرى تمثل خروجاً عن الإجماع، كما حدث إبان سنوات الانقسام، حين كانت عبر الحوارات في القاهرة والدوحة ودمشق، تأخذ «فتح» عدداً من الفصائل المؤيدة تلقائياً لها بيدها، فيما فعلت «حماس» نفس الشيء، حيث كانت تجلب من دمشق توابعها الفصائلية، والتي كانت بمجملها، تمثل عبئاً سياسياً أو سلطوياً على الحركتين.
تدرك «فتح» بأن أربعة أو خمسة فصائل هامشية لن تزيد من قوتها ميدانياً شيئاً، كذلك تدرك هذا «حماس»، التي لم تجرب عبر تاريخها الشراكة مع أحد، وها هي تجربها مع «فتح»، من الباب الواسع أو العريض، وهما بالمناسبة أقرب لبعضهما من غيرهما، إن كان فيما يخص المسؤولية العامة، أو الخطوط البرنامجية، بكل ما بينهما من براغماتية سياسية وحتى واقعية سياسية.
على الأغلب أن القوائم الهامشية، إن كانت تلك الخاصة بفصائل معظمها يساري، أو تلك القوائم الجديدة على الشأن العام الفلسطيني، ونعني بها قوائم «المستقلين» من رجال أعمال إلى تكنوقراط، وحتى شخصيات سياسية سابقة، أو عاملين في مؤسسات أو حراكات أو منظمات المجتمع المدني، لن تأخذ أصواتاً لا من «فتح» ولا من «حماس»، فهي تخاطب فئات مهمشة بالغالب، لم تنتفع من سلطتي «فتح» و»حماس»، وهي بهذا تزيد من تفتت وتشظي ما كان يطمح له قادة يساريون من تشكيل قطب ثالث بين «فتح» و»حماس»، بحيث يمكن القول بأن معظم، إن لم يكن كل هذه القوائم لن تنجح في تجاوز نسبة الحسم.
بالطبع سيكون أمراً غريباً جداً، أن لا ينجح أحد سوى قائمتي «فتح» و»حماس»، وحتى إن وصل أفراد لن يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة، أو حتى لا نبالغ لن يتجاوز عددهم رقماً من خانة واحدة، فلن يغير ذلك من أمر سلطة «فتح» و»حماس»، مشتركتين أو منفصلتين شيئاً.
لكن ما لا بد من الإشارة إليه، على أنه مظهر غاية في الخطورة، هو ظهور بعض تلك القوائم الهامشية، من خارج مجتمع الفصائل ببرنامج خدمية، لا كلمة واحدة فيها عن الاحتلال، ولا عن طموح الشعب الفلسطيني للاستقلال، وكأن الانتخابات العامة الفلسطينية تجري في إقليم كاتالونيا أو كردستان العراق، لتكريس مفهوم لسلطة الحكم الذاتي، كما أنتجتها «أوسلو» التي يتحدث عن ضرورة التنصل منها العديد من الفصائل، ليل نهار.
لا بد إذاً من التعامل مع المحطة الانتخابية باعتبارها محطة كفاح وطني، لترتيب الوضع الداخلي، ولكن ليس بهدف مراجعة أو التراجع عن البرنامج الوطني، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار حدوث مستجدات عديدة وإدراك أن مياهاً كثيرة جرت في نهر الحياة الفلسطيني منذ عام 2005 وحتى الآن، لجهة ضرورة تصويب الواقع، ولكن وفق المسار الوطني نفسه الذي سار عليه الشعب منذ عقود، وليس بهدف تكريس حالة أو واقع الحكم الذاتي، ولهذا تتأكد أهمية أن يترافق «التشريعي» مع المجلس الوطني، وأن تبقى سلطة الحكم الذاتي، خاضعة لمرجعية سلطة م ت ف، وهنا لا بد من تأكيد ميثاق المنظمة، ومن عدم التوقف عند حدود إجراء الانتخابات بكل محطاتها، أو الاكتفاء بإنهاء الانقسام، فلا بد من مواجهة كل مظاهر التهميش من مقاومة الاحتلال بكل أشكالها. لابد من محاربة الفساد والاستبداد، نعم، لكن لا بد من محاربة التنصل من دفع ضريبة الوطن، وعدم مواجهة سلبيات الفصائل والأحزاب بالإعلاء من شأن عدم الالتزام ببرنامج التحرر الوطني!
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية