قد يكون من غير العادي، أن يشكل موقف باكستان من «عاصفة الحزم» تأثيراً مباشراً على العلاقات العربية ـ العربية، إذ يبدو أن السعودية التي قادت هذه «العاصفة» دون انتظار لقرار من القمة العربية، ودون انتظار لتشكيل القوات العربية المشتركة، السعودية كانت تراهن على موقف باكستاني، شريكاً وليس مجرد داعماً لقيادتها «لعاصفة الحزم» في اليمن، الأمر الذي يمنح المملكة استبدال الرهان على دور مصري، باعتبار أن الجيش المصري الأكثر تدريباً وتجربة وخبرة، وبدرجة معقولة، أكثر تسليحاً وتعداداً، للعب دور قيادي في أي تحالف عسكري عربي، إذ إن هذا الدور العسكري المصري، سينعكس بالضرورة على دور سياسي في المنطقة العربية والإقليمية، الأمر الذي ربما لا يتماشى مع طموحات الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، بإعادة الثقة بالدور القيادي للسعودية، عربياً، وإقليمياً، لذلك كان الرهان على باكستان، محاولة لإبعاد أو تهميش عودة مصر لقيادة العرب والإقليم سياسياً من خلال دورها العسكري ـ الأمني.
إلاّ أن قرار البرلمان الباكستاني برفض المشاركة في «عاصفة الحزم» فرض على المملكة إعادة النظر بحساباتها، ورأينا أن وزير الدفاع محمد بن سلمان، ابن الملك السعودي، وبعد 24 ساعة من قرار البرلمان الباكستاني، يصل إلى القاهرة ليجتمع بالرئيس السيسي ووزير الدفاع المصري، وحسب بعض المصادر الإعلامية المطلعة في القاهرة، فإن الوزير السعودي الشاب، حمل معه رسالتين: الأولى، دور مصري في «عاصفة الحزم» في حال الاضطرار إلى توسيعها لتطال الحرب البرية، ورسالة نقيضة: دور مصري للوساطة مع إيران، بهدف التوصل إلى حوار يمني داخلي، يوفر على السعودية الانغماس أكثر في الحرب على اليمن، وتبين فيما بعد، أن الإعلان السعودي عن وقف «عاصفة الحزم» جاء بعد تدخل مصري مع طهران، بالإضافة إلى جهود عُمانية تقاطعت مع الجهود المصرية، وبهذا الصدد، فإن القاهرة، ظلت على مسافة ما في علاقاتها مع إيران، الأمر الذي يفسر قلة التصريحات المصرية بشأن دور مصري في اليمن من خلال «عاصفة الحزم» لكن هذه العاصفة هدأت نظرياً واستمرت عملياً، بانتظار مواقف محددة على الأرض لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من خلال المداولات السياسية والدبلوماسية، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن، ولا تزال السعودية، تقود الحرب على اليمن، بشكل معلن، ولكن من دون «عاصفة» بانتظار تبدلات على الأرض، في وقت يستمر المد الحوثي للتوسع، خاصة في عدن.
الرهان السعودي الفاشل، على دور باكستاني، لم يكن رهاناً عسكرياً ـ أمنياً فحسب، بل وهو في جوهره أداة من أدوات تحويل الصراع، من بعده القومي، إلى بعده الديني ـ المذهبي، دور باكستاني، يعني محوراً سنياً في مواجهة المحور الشيعي، لكن مصر على هذا الصعيد، ستجعل الصراع بأبعاده القومية ـ الإثنية في المواجهة، وهو ما لم ترده السعودية، التي كانت تأمل من «تذهيب» الصراع السني ـ الشيعي، أن تقود المحور السني، لأسباب تتعلق بالأماكن الإسلامية المقدسة داخل حدودها. ليس هناك من منافس على صعيد المحور السني للسعودية، لكن في البعد العربي، هناك منافس قوي، وهو جمهورية مصر العربية، التي بدورها، حاولت ـ ولا تزال ـ أن تضع المسألة الليبية على جدول أعمال أية «عاصفة» عسكرية قادمة، باعتبار أن هذه المسألة تشكل خطراً على الأمن القومي المصري بشكل مباشر، وهو الأمر الذي لا ترغب به السعودية، كون هذه المسألة لا تشكل خطراً محتملاً على أمن الخليج العربي بما فيه السعودية.
ومنذ وصول الملك سلمان إلى عرش المملكة السعودية، وانقلابه «الإداري ـ الداخلي» بجملة من التعيينات السريعة، والتي سبق وأن أشرنا إليها بإسهاب في مقالات سابقة، أخذ السعي إلى تشكيل المحور السني، يؤثر بشكل أو بآخر على طبيعة العلاقات المصرية مع حركة حماس ، ومع جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام وهناك مؤشرات مصرية تؤكد أن هناك تأثيرات سعودية على هذا الملف، سواء لجهة إقدام القاهرة الرسمية على استئناف الحكم القضائي المصري باعتبار حركة حماس، حركة إرهابية، أو من خلال اللقاءات التي عقدتها المخابرات المصرية مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، بطلب من القاهرة، قبل بضعة أسابيع، الأمر الذي اعتبر مؤشراً على مساع لإصلاح ذات البين، وحينها قيل عبر أكثر من مصدر إعلامي مصري، إن هذا اللقاء قد تم بضغط من الرياض، وقد أدى هذا الاجتماع إلى السماح لأبي مرزوق بمغادرة القاهرة بعدما كان تحت الإقامة الجبرية غير المعلنة.
تصريحات إسماعيل هنية ، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مؤخراً، حول علاقة الحركة مع مصر، هادئة ورزينة ومرحبة بالتحسن الذي جرى عليها، خاصة وأنه أشار إلى أن هناك معطيات إيجابية من كل من «السعودية ومصر» وكذلك تصريحات القيادي في الحركة صلاح البردويل، في نفس السياق، لكنها تشير إلى محادثات إيجابية مع القاهرة، علماً أن جمهورية مصر العربية لا تجري أي اجتماعات، أو محادثات مع فصائل فلسطينية إلاّ من خلال البعد الأمني وليس السياسي، وهذا ما جرى في الغالب حول هذه الاجتماعات، ذات الطبيعة الأمنية، أما القاهرة، فهي تجري مشاوراتها السياسية مع الشرعية الفلسطينية ممثلة بالرئيس أبو مازن وحكومته!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد