انتهت اجتماعات القاهرة، الأسبوع الماضي، بمحصلة ضبابية إزاء ما يتعلق بالهدف الأساسي منها وهو الاتفاق على آليات لتشكيل المجلس الوطني.
كل ما في الأمر، إقرار وثيقة شرف، وكأنها الحد الحازم الذي يلزم الفصائل بعدم تجاوزه، أما البيان الختامي فتحدث عن نقاش جرى حول آليات انتخاب المجلس التشريعي، فضلاً عن اتفاق بشأن الوحدة الجغرافية والسياسية للأراضي المحتلة منذ العام 1967.
المهم أن الأجواء الإيجابية، وحرص الفصائل على عدم تغليب قضايا ثانوية على الأساسية، هو ما أكده الحوار، الذي كان عليه أن يجيب عن أسئلة أساسية.
بما تم الاتفاق حتى الآن، لم نعثر على خارطة طريق لمرحلة ما بعد الانتخابات، وأجزم أن لا أحد يملك رؤية واضحة حول مثل هذه الخارطة.
تكتفي الفصائل، بعدم التمترس حول قضايا خلافية كانت ولا تزال موجودة دون حلول، وأن أيا منها لا تضع ذاتها في الموقع الذي يتحمل المسؤولية عن التعطيل.
بالجملة يمكن القول إن الفصائل على اختلاف رؤاها وبرامجها، تظهر تفهماً عميقاً لمتطلبات المرحلة، وتمتنع عن تقديم إشارات، إلى أنها تسعى وراء تغيير المشهد العام السياسي الذي تقوده حركة فتح.
وفق الجداول الزمنية فتحت لجنة الانتخابات المركزية أبوابها وملفاتها لاستقبال القوائم المرشحة، حيث وصلها منها، ثلاث، واحدة للجبهة الديمقراطية، والباقي لمستقلين من الضفة و غزة ، مع تقديم الجبهة الديمقراطية لقائمتها الانتخابية، تكون قد انتهت إلى لا شيء الحوارات بين فصائل اليسار، حول إمكانية تشكيل قائمة موحدة، لم يكن من الممكن التوصل إليها استناداً إلى التجربة الطويلة الماضية.
وعلى خط موازٍ تتضاءل فرص تشكيل قائمة موحدة أو قائمة مشتركة بين فتح و حماس لم تكن كفكرة تحظى بإجماع أعضاء ومناصري الحركتين لأسباب معروفة.
ثمة ما صنع العداء بين الحركتين ومئات الضحايا، ومرحلة استمرت أربعة عشر عاماً من الصراع، والإقصاء والتكفير، ما ترك فجوة عميقة، وواسعة من الثقة، تحتاج إلى وقت وكثير من المواقف والممارسات لردمها، أو تقليصها.
من السهل أن تلقى فكرة القائمة المشتركة، اتهامات بالمحاصصة والهيمنة لكن الأمر يذهب إلى ما هو أبعد.
في ظاهر الأمور نعم توحي الفكرة بالرغبة في المحاصصة، خصوصاً بعد أن وافقت الأطراف على المرجعيات القضائية والأمنية وكانت مشتركة بين السلطتين في رام الله وغزة.
نلفت النظر إلى أن ثمة مؤشرات على أن فكرة القائمة الموحدة أو المشتركة إنما تهدف إلى تأكيد جدية الأطراف إزاء الالتزام بمخرجات الحوارات، وبأن ذلك أيضاً يعكس التوافق على ضبط التوازنات الداخلية بما لا يؤدي إلى تغيير المشهد العام السياسي الذي تقف فتح على رأسه.
سلوك حماس يشير إلى أنها مستعدة لإبداء المزيد من التسهيلات لإنجاح الانتخابات، وإلى عدم رغبتها في الظروف المحيطة الراهنة، في أن تنافس حركة فتح على القرار.
ما تريده حماس في هذه المرحلة، واضح وهو أنها تسعى وراء الانخراط في النظام السياسي الفلسطيني وبناء شراكات متفق عليها، والحصول على شرعية لم تنجح في تحقيقها خلال المرحلة السابقة، ولكن دون أن تتخلى عن الحكم في قطاع غزة.
لا يضير حماس أن تتخلى عن الجوانب الإدارية للحكم، في إطار اتفاق، يقضي بعودة الحكومة لإدارة الوضع في غزة كما في الضفة.
يبقى من الحديث عن القوائم المشتركة، محاولات لانضمام فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية في قائمة حركة فتح، لكن هذه المسألة لم تتضح حتى الآن، ولا تصدر عن حركة فتح، تأكيدات جازمة بشأن الخيارات.
هكذا يمكن التوقع بأن عدد القوائم المتنافسة قد يقترب من العشرين، فعدا الفصائل ثمة عدد ليس قليلاً من المستقلين الذين يرغبون في خوض المنافسة.
على أن المناخ الإيجابي في الوسط الفلسطيني، قد يشكل استفزازاً لدولة الاحتلال، التي لا ترى لها أي مصلحة في نجاح الديمقراطية الفلسطينية ولو بالحدود التي تعبر عنها، ولا تعكس حالة ديمقراطية شاملة وعميقة.
إسرائيل صاحبة مصلحة استراتيجية في بقاء الانقسام، وتعطيل أي إمكانية للشراكة بين الفصائل، باعتبار ذلك، يمنحها ذريعة قوية في مواجهة أي محاولات أميركية أو دولية لإعادة تنشيط خط التفاوض على أساس رؤية الدولتين.
من المهم بالنسبة لإسرائيل أن تتصدى لمثل هذه المحاولات من خلال التشكيك في التمثيل الفلسطيني الجامع، ومن خلال الادعاء، بأن ثمة سلطتين متناقضتين للفلسطينيين في الضفة وغزة.
إسرائيل بدأت تفعل تدخلاتها، وتصعد تهديداتها ليس فقط لشخصيات مرشحة، وإنما من خلال التهديد المباشر للسلطة، إن هي مضت في طريق الشراكة، وإقامة حكومة وحدة وطنية مع حماس.
ستبدو صورة إسرائيل سيئة جداً في المجتمع الدولي. إن نجح الفلسطينيون بينما تنهار الديمقراطية الإسرائيلية، التي أجرت وبصدد إجراء أربع محاولات انتخابية، وقد تنتهي بالذهاب إلى خامسة.
بهذا المعنى تنهار ادعاءات إسرائيل بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وتنهار معها أكذوبة الغرب الرأسمالي، التي تقوم على حماية قيم الديمقراطية الإسرائيلية، وتحرص على تفوقها.
الإدارة الأميركية الجديدة، حين تدخل على الخط، فإنها تستعيد شروط الرباعية الدولية على الفصائل وإلاّ فإنها لا تدعم العملية الانتخابية وقد يشكل ذلك ذريعة، للتملص من الوعود التي طرحها بايدن وفريقه بشأن استعادة العلاقات مع الفلسطينيين، والالتزام بالسعي من أجل مساومة على أساس رؤية الدولتين.
مرة أخرى تؤكد التجربة التاريخية أن الفارق محدود بين الإدارات الأميركية فكلها شريكة لإسرائيل، وللمشروع التوسعي الصهيوني وإلا لماذا تمتنع إدارة بايدن عن وضع شروط على الأحزاب الإسرائيلية المشاركة في الانتخابات؟
إن كانت أميركا لا ترى فئات إرهابية بين الأحزاب الإسرائيلية، أفلا تلاحظ أن معظم تلك الأحزاب، تنتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة؟
الأصل أن يظهر الفلسطينيون إرادة صلبة كالتي ظهرت خلال مرحلة ترامب، وأن يواصلوا الكفاح المشترك لكسب هذه المعركة حتى لو كان العالم كله ضدهم.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية