أنا أصدق الإيرانيين بأن ليس لديهم نوايا بتصنيع قنبلة نووية، ولكن ليس للأسباب التي يسوقها الإيرانيون في تفسير هذا التوجه.

لو كان لدى الإيرانيين نوايا حقيقية لصناعة القنبلة لصنعوها منذ زمن بعيد.
منذ عهد الشاه ـ كما نعرف جميعاً ـ كان لدى إيران برنامج نووي متكامل، ولم يتوقف هذا البرنامج بعد ثورة الخميني، ولم يتم المساس بهذا البرنامج إلا على مستوى البنية التحتية، ولا على مستوى الكادر البشري، بل إن العكس هو الصحيح ـ كما أكدت وتؤكد تقارير موثوقة ـ واستمر البرنامج وتمت عمليات تسريع كبيرة، وتم رفده ودعمه بكل المقومات المطلوبة.
بالنسبة لإيران امتلاك التكنولوجيا النووية أهم بألف مرة من امتلاك القنبلة وذلك للأسباب الآتية:
أولاً، امتلاك قنبلة نووية الهدف منه هو الردع، وإيران لديها من وسائل الردع ما يكفي، سنأتي عليها بما في ذلك القوة العسكرية.
ثانياً، ماذا فعلت القنبلة النووية لبلد مثل باكستان مثلاً؟
حتى التلويح باستخدامها يعتبر قيدا كبيرا عليها، وبالتالي فإن امتلاك القنبلة لا يحقق للبلدان النامية التي تمتلكها أي مزايا باستثناء «الردع»، وفي معظم الحالات تكون القنبلة سببا للحصار والعقوبات والعزل، وإيران تعرف تبعات امتلاك القنبلة، وإمكانية أن تتحول إلى قيد دائم عليها.
ثالثاً، القدرات النووية في العالم الثالث اليوم موجودة في كل من تركيا، مصر، جنوب إفريقيا، البرازيل بالإضافة طبعاً إلى كوريا الشمالية.
كل هذه البلدان تنزع نحو التكنولوجيا النووية وليس القنبلة النووية، باستثناء كوريا الشمالية التي تجاوزت هذه المرحلة منذ زمن بعيد. بهذا المعنى إيران ليست استثناءً على الإطلاق.
رابعاً، ما نعرفه أن العربية السعودية هي التي مولت البرنامج النووي الباكستاني بكلفة بلغت في حينه اثنين أو ثلاثة مليارات دولار، وهو ما يعادل بين 20 ـ 30 مليار دولار بالقيمة الحالية للدولار، وإيران كان لديها مثل هذه الموارد، وكان باستطاعتها صناعة القنبلة النووية لو أرادت، خصوصا أن طبيعة نظامها السياسي الشمولي تسمح للهرم السياسي بتوظيف الموارد والمصادر دون حسيب أو رقيب لدواعٍ «أمنية».
فأيهما أفضل لإيران: امتلاك قنبلة نووية يمكن، ومن المرجح أن تتحول إلى قيد عليها، وإلى أسباب لعزلها وحصارها، أم امتلاك تكنولوجيا نووية معترف بها دولياً، ومتوافق عليها، وتؤمن لها حرية الحركة، وترفع القيود عنها، وتستطيع في أي لحظة أن تصنع القنبلة، أو أن تصنّع رؤوسا نووية تضعها في صواريخها العابرة للقارات التي تمتلكها، ويعترف العالم، ويعرف أنها تمتلكها؟
لهذا بالضبط أنا أصدق الإيرانيين ولكن للأسباب التي أتينا عليها، وليس لأسباب (أيديولوجية) كما يدّعون.
بعد أن بدأت بلدان الخليج مسار عقد حلف «أمني ودفاعي»، إضافة إلى التعاون الاقتصادي مع إسرائيل تحول «القرار» الإسرائيلي بضرب إيران ـ من طرف واحد ـ إلى مغامرة مضاعفة عما كان عليه قبل عقد هذا الحلف.
ناهيكم طبعا عن صعوبة، إن لم نقل استحالة إقدام إسرائيل على خطوة، من هذا القبيل دون الموافقة التامة والصريحة، ودون التخطيط المسبق، والتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، فإن مغامرة إسرائيلية من هذا القبيل ستعني حتما أن إيران ستهاجم بلدان الخليج باعتبارها (جزءاً من الحلف الذي يوجّه الضربة إلى إيران)، وهو ما يعني احتمال تعرض هذه البلدان إلى تدمير يفوق كل توقعاتها، خصوصاً إذا تحولت الهجمات الإيرانية إلى حرب استنزاف طويلة نسبياً، ما يعني دمارا اقتصاديا كبيرا، إضافة إلى دمار البنى التحتية الخليجية.
ناهيكم طبعاً عن إمكانيات أن تنفجر «حراكات» شعبية داخلية من شأنها «التكامل» مع التدمير..!
فهل هذا ردع أم ماذا؟
إذا هاجمت إسرائيل إيران فهل يوجد أي ضمانة لدى أي أحد أن لا يهب «حزب الله» لنجدة «المركز»، وهو إيران، وهل توجد ضمانة لدى أي أحد أن سورية نفسها ـ بالرغم من كل وضعها ـ وربما بسبب هذا الوضع أيضاً ستقف مكتوفة الأيدي في حرب من هذا النوع؟ وماذا يفيدها إذا بقيت مكتوفة الأيدي كما ظلت حتى يومنا هذا؟
ما هي فائدة سورية لإيران إذا لم تقف سورية إلى جانب إيران في وضع قد يبدو، أو قد يتحول إلى وضع مصيري؟
أليس هذا جزءا من الردع الإيراني، أم ماذا؟
إضافة إلى كل ذلك، أليس صحيحاً أنه في حالة اندلاع حرب واسعة في الخليج ستتردد إيران في إغلاق المنافذ البحرية أو تعطيلها؟
قد لا تكون هذه الفرضية «حكيمة» بما يكفي، وهنا أعود إلى ما كان قد قاله المرحوم أحمد زكي اليماني ـ وزير النفط الأسبق في العربية السعودية من أن إيران يمكنها إغراق عدة سفن في «هرمز»،
وسيحتاج العالم إلى ستة أشهر في ظروف السلم لكي يتمكن من إعادة تنظيفه وتسيير الملاحة فيه!
إضافة الى تهديد باب المندب في ظل تحالف الحوثيين مع إيران والذي لم يعد خافياً على أحد.
فهل يتحمل الاقتصاد العالمي تعطيل مرور أكثر من 30% من تجارة النفط العالمة، وجزء مماثل تقريبا من التجارة الدولية في ظل الجائحة؟ أليس هذا ردعاً، وردعاً قوياً أيضاً. وماذا ستكسب بلدان الخليج من حرب كهذه؟ أليست الخسارة هي احتمالاتها الوحيدة؟
كل حرب لا تسقط النظام معناها خسارة ودمار للطرف الآخر، وبعد الحلف الجديد بين إسرائيل وبلدان الخليج تحول هذا الحلف إلى قيد على هذه البلدان.
الهدف الوحيد الذي يحول هذا الحلف إلى «مكسب» بالرغم من التحفظ الشديد على تعبير كهذا، هو أن تكون مهمة هذا الحلف هي التلويح بالحلف لردع إيران ليس أكثر.
هذه المسألة بالذات هي من نفس نوع البضاعة الوهمية كما هو حال القنبلة النووية الإيرانية، لأن إيران تتمدد وتتموضع على حساب الدور الإقليمي لهذه البلدان، والحلف مع إسرائيل لن يعيد لها أي دور يذكر.
لكل هذه الأسباب فإن الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق، وأوروبا لن تغامر مطلقاً بتعطيل هذه العودة السريعة إليه، وبلدان الخليج العربي ليست لاعباً رئيساً في كل هذه المعادلة، حتى ولو «استماتت» في محاولة إظهار العكس.
التوسعية الإيرانية لن تتراجع طالما أن إسرائيل قد دخلت على الخط وترغب بالجلوس إلى الطاولة.
الحل هو في تفاهمات خليجية عربية مع إيران، لوضع حدود فاصلة لهذه التوسعية، التي تهدد فعلاً المصالح القومية العربية، والحل هو فك الارتباط بين المصالح الإسرائيلية الأميركية والمصالح العربية، وحينها فقط سنجد إيران مع المشروع القومي الإيراني أمام منعطف لا تستطيع إيران أن تتهرب منه.
وحينها فقط سترغم إيران على مراجعات جدية «لتوسعيتها»، والذي يسمى بعلم السياسة الراهنة الدور الإقليمي. وحينها فقط يمكن تقاسم هذا الدور.
ترامب وإسرائيل فهموا هذه المعادلة مبكراً، ولذلك استماتوا لعقد الحلف الجديد قبل فوات الأوان، وعلى العرب أن يفهموا ذلك بعمق وبسرعة لأن الأوان قد يفوت هنا أيضاً.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد