من الواضح أن الامور قد تداخلت لدى بعض القادة الذين تم تكليفهم ضمن لجان اختيار مرشحي قائمة حركتنا العملاقة (فتح)، وانهم لجأوا إلى خبراتهم التنظيمية البحته في الإختيار متناسين تماماً أن الوضع هنا مختلف، وأن من يتم اختياره سيعمل من أجل الوطن وليس من أجل الحركة او الحزب .
إن الوطن للجميع، والحركة او الحزب لمنتميها ومناصريها، وبالرغم من أن الوضع مختلف في حركة فتح، ف فتح خُلقت من اجل الوطن وتعمل منذُ تأسيسها من أجل المجتمع الفلسطيني عامة دون التحيز لمنتميها ومناصريها، فهدف فتح كان وما زال فلسطين أولاً، وفي سبيل تحقيق ذلك وترجمته عملياً كانت الفرص في شتى المجالات أقرب للتوازن بين الجميع على اختلاف ألوانهم و ميولهم وتوجهاتهم الحزبية أو العقائدية . ولكن!
الظروف اليوم مختلفة، وقد يكون الواقع الذي تعيشه فلسطين بشكل عام وفتح على وجه الخصوص بما يقابل كل منهما من مخاطر ومعيقات وتحديات سواء كانت داخلية أو خارجية جعلت فتح على المحك، وأضافت لدى قادة فتح وعناصرها ومناصريها نوعاً من الخوف المتعلق بالمصير الوجودي مستقبلاً لا سيما أن ما مرت به فتح كحركة فلسطينية من جانب وما مرت به فلسطين كدولة عربية محتله من جانب آخر في السنوات الماضية كان صعباً وخطيراً للحد الذي يستوجب على الجميع القيام بعمليات تخطيط لكل خطوة مستقبلية بشكل دقيق جداً و واعٍ جداً مهما كان حجم وعمق ومستوى هذه الخطوة، فكيف لو كانت هذه الخطوة هي إنتخابات فلسطينية ؟! 
وهنا وجب الوقوف، واستحضار كل ما هو متعلق بالماضي خصوصاً ما تم خوضه من خبرات على أرض الواقع في عام 2006 والتركيز على أهم النقاط التي قادت الحركة إلى تراجع خطير أدى إلى الخسارة واتاحة فرصة مجانية للخصوم بأن يتقدموا، وفي سبيل ذلك لا بد من تحليل الوقائع التي حدثت آن ذاك والتحليق بالذاكرة لتحديد الفرص التي كانت متوافرة ولم يتم استغلالها، ومعرفة المعرقلات و المعيقات الحقيقية التي آلت إلى الخلاص لتلك النتائج في نهاية المطاف، وتصنيف كل من نقاط القوة ونقاط الضعف وحصرها في اماكنها الصحيحة، وبعد كل ذلك يتم فرد كل الأوراق على الطاولة ومعرفة القوة الحقيقية للحركة والقوة الحقيقية للخصوم، ومن ثم وضع خطط واستراتيجيات تعمل بدورها على رفع مستوى القوة لدى الحركة بطريقة متوازية مع خفض مستوى القوة لدى الخصوم .
وفي السياق نفسه يجب عدم الإعتماد على فشل تجربة فصيل ما في إدارة الأزمة على مدار السنوات الماضية والإرتكان على ذلك الفشل في تخطي المرحلة الحالية أو الفوز في الانتخابات الجارية، لا سيما أن العديد ممن ينوون خوض الانتخابات يعتمدون على نفس السبب و يديرون نشاطاتهم و حملاتهم ويسوقون لإنفسهم اجتماعياً وثقافياً بما يخدمهم في اطار ذلك الفشل القائم منذ سنوات، وهذا ما يجعل التنافس في أشد حالاته بين حركة فتح والأطراف الأخرى المنافسه لها . 
وبالرجوع إلى ما ترأس هذا المقال من عنوان " العمل من أجل الوطن يختلف عن العمل من أجل حركة أو حزب"، فيجب على أصحاب القرار في حركة فتح الانتباه فيما يخص طبيعة إدارة العمل المتعلق بالدولة والفرق بين ذلك وبين إدارة العمل في حركة ما أو تنظيم، فالدولة كنظام عام ينبثق عنها العديد من المنظومات التي تلعب بدورها دوراً هاماً في إدارة شؤون الدولة كمنظومة كل من ( التعليم و الصحة والاقتصاد و البيئة و التكنولوجيا و المواصلات ...إلخ) وما ينبثق من هذه المنظومات من دوائر والتي جميعها يعمل على توفير حياة كريمة وسهلة لمواطني الدولة بمختلف توجهاتهم وميولهم و ألوانهم الحزبية والعقائدية، وهذا ما يختلف عن طبيعة عمل الحركة أو الحزب فهي بطبيعة الحال لا تحمل على عاتقها كل تلك الأعباء وإنما تكتفي بمحاولة الحفاظ على مناصريها ومنتميها من خلال برامج اجتماعية واقتصادية محدودة .
وبالتالي يجب على من يتم اختيارهم في مراقبة ومتابعة منظومات الدولة ( ضمن أعضاء المجلس التشريعي ) أن يتمتعوا بكفاءات وخبرات اكاديمية و مهنية تتوافق مع طبيعة عمل تلك المنظومات، فلا يُعقل أن يقوم بمتابعة العمل الصحي ومراقبة المؤسسات الصحية افراد لا ينتمون إلى ذات المجال، كذلك مجال التعليم و الاقتصاد و البيئة والمواصلات وكافة مؤسسات الدولة يجب أن يتم مراقبة ومتابعة أعمال تلك المؤسسات من خلال ذوي الخبرة والمجال، وهذا ما يتوافق مع مقولة ( الرجل السليم في المكان السليم)، وهذا بدورة ما سيقود الدولة بشكل عام ومؤسساتها على وجه الخصوص إلى الوصول لمستوى مرضٍ من التنمية والازدهار لكل من القادة والمجتمع .
وهذا تحديداً ما دعا قيادات الحركة إلى وضع معايير مهمه في اختيار مرشحي قائمة حركة قتح، إيماناً منهم أن أعضاء المجلس سيوكل إليهم مهام تتعلق بالمجتمع كافة وليس بحزب او حركة بعينها. وعليه يجب أن تتبع فتح و أمناء سر أقاليمها وقادة مناطقها في اتباع تلك المعايير لما لها من أهمية في العمل مستقبلاً من ناحية و ايمان المجتمع واقتناعهم بقدرات و امكانيات من سيمثلون فتح من ناحية أخرى .

ودعنا في نهاية المطاف أن ننادي من أجل وطن يحتاج منا أن نستجمع كل قوانا وامكانياتنا البشرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولنضع كل خلافاتنا واختلافاتنا جانباً .. فالهم واحد و الهدف واحد وقضيتنا واحدة .. إنها فلسطين.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد