في البيان الختامي للأحزاب السياسية الفلسطينية المتواجدة في القاهرة , كان واضحاً أن الجميع سوف يعمل في اطار منظمة التحرير كون مهمتها الأصلية هي التحرير , وذلك بعد الإعتراف الصريح بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني أينما وجد , وهذا البيان الختامي المبارك هو إنجاز عظيم يعبر عن رغبة الجميع في إنهاء الإنقسام عبر صناديق الإقتراع , وإنهاء الإحتلال عبر منظمة التحرير , ورغم أنني كتبت في مقالاتي السابقة بأنه من الأفضل أن يتم إنهاء الإنقسام على الأرض قبل إجراء الإنتخابات , ولكن في النهاية أتمنى أن تكون بالفعل الإنتخابات هي بوابة إنهاء الإنقسام , والجذير بالذكر في حوارات القاهرة الأخيرة هو أن الأحزاب السياسية الفلسطينية قررت أن تنهي الإنقسام الخاص في إدارة الصراع مع الإحتلال من خلال دخولها في منظمة التحرير , وتمثيلها في المجلس الوطني "برلمان المنظمة" وتمثيلها في اللجنة التنفيذية "حكومة المنظمة" , وهذا التوافق المبارك يبدو جيداً من الناحية النظرية والتوافقية , ولكنه بحاجة الى تفسير عميق حول فلسفة وطبيعة العمل النضالي المنظم من خلال أطر ومؤسسات منظمة التحرير , وفلسفة وأطر العمل النضالي الفطري والتلقائي من قبل الشعب والذي تتحكم به مجريات الأمور وتطورات الأحداث على أرض الواقع..

على إعتبار أن كافة الأحزاب السياسية والأطر التنظيمية ستعمل من خلال منظمة التحرير , وستلتزم بهذا العمل بدرجة كبيرة من التوافق , وذلك بموجب إتفاق القاهرة الأخير , فهذا يعني أن يكون أي تحرك للأحزاب وأجنحتها السياسية والعسكرية بناء على توافق وطني من داخل مؤسسات منظمة التحرير , أو من خلال آلية ديمقراطية تعتمد على الأغلبية في التصويت , بمعنى , أن جميع الأحزاب ستخضع لموافقة منظمة التحرير سواء بالتوافق أو بالأغلبية في حال قررت إطلاق صواريخ مثلاُ , أو إطلاق مسيرة مثلاُ , أو القيام بعملية فدائية مثلاً , أو إطلاق مواجهة مباشرة من الإحتلال مثلاُ , أو خوض إضراب جماعي عن الطعام مثلاً , أو مقاطعة بطائع مثلاً...إلخ , فهذا هو شكل العمل المنظم والذي من المفترض أن يكون , والذي لم توضحه الأحزاب السياسية لحتى الآن , فكل ما تتناوله الأحزاب في القاهرة هو تحديد شكل واطار منظمة التحرير من الخارج , ونسبة تمثيل كل حزب سياسي في المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية , وكل ذلك بعيداً عن الموضوع الأهم وهو طبيعة وفلسفة التحرير من خلال منظمة التحرير , وعلاقة هذه الفلسفة المؤطرة بالفلسفة النضالية التي يشكلها ويغذيها الشعب بتلقائية وفطرة نضالية موروثة منذ القدم , ومرهونة بتطورات وتغيرات ومزاجيات وردات فعل مرهونة بأحداث متجددة على مدار الساعة..

برأيي أنه يجب أن يتم التركيز بملف منظمة التحرير على آلية وكيفية وفلسفة وإدارة الصراع مع الإحتلال في ظل توافق جماعي وعمل منظم تم الإتفاق عليه وبإنتظار التنفيذ , وأن تعمل المنظمة على التناغم بين العمل الحزبي المنظم والذي يستند على توافق أو أغلبية في القرار , وبين العمل الشعبي الفطري التلقائي والذي يستند على ما يفرضه الواقع , فمثلاً هناك حالات إشتباك مع الإحتلال يقودها الشعب تستوجب السرعة والتلقائية , كالتصدي لإنتهاكات المستوطنين في الضفة , والتصدي اليومي للتهويد في المسجد الأقصى , والتصدي للإستطيان , والتصدي للإعتقالات اليومية , وفي التوازي مع قواعد الإشتباك في غزة كإطلاق الصواريخ كردة فعل سريعة على إغتيال شخصيات وقادة أو حتى مواطنين , فكل هذه الأشكال النضالية قد تكون مؤطرة وقد تكون تلقائية وفطرية , فيجب التركيز عليها ومتابعتها ووضعها في دائرة التوافق بين الجميع , فهذه هي الأولوية في بناء منظمة تحرير قادرة على التوحيد والتناغم , وليس مجرد إتفاق على شكل خارجي ومحاصصة ونسبة .

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد