أسباب عزوف الشباب الإسرائيلي عن الخدمة في الجيش
كشفت استطلاعات الرأي الإسرائيلية عن زيادة حدة الانتقادات للجيش، بعد أن بقي ما يزيد على 7 عقود بمنأى عن أي اتهامات وخلافات، وهو ما انعكس بدوره على تراجع الحافزية للانخراط فيه بمعدلات تصاعدية.
وفي هذا التقرير سيتم تناول هذه الظاهرة من خلال الإجابة عن عدة أسئلة:
ما حجم ظاهرة تراجع الخدمة العسكرية الإسرائيلية؟
تمكنت ظاهرة رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي من "زلزلة" المؤسسة العسكرية وصدم الرأي العام بعد وصولها لوحدات الجيش النخبوية، وكشف قسم القوى العاملة فيه أن 40% من الجنود ينهون سنوات خدمتهم لأسباب مختلفة: دينية (طلاب مدارس "الحريديم")، ونفسية صحية، وعائلية، أو لوجودهم خارج إسرائيل، وكأننا أمام "ثورة متنامية"، وقال قسم القوى العاملة إن "العصيان الكبير سيأتي"، ويبدو أن هذه التوقعات آخذة في التحقُّق تدريجيا.
ولا يعتبر رفض الخدمة في الجيش أو التهرب منها ظاهرة جديدة، فقد ارتفعت نسبة من لا يخدمون في الأعوام الـ40 الفائتة بشكل متسارع، وبينما بلغت عام 1980 قرابة 12%، فقد ارتفعت إلى 32% في 2020، وتَمثّل الحدث الأكبر برسالة بعث بها 25 طيارا أعلنوا عدم استعدادهم للمشاركة في عمليات الجيش ضد الفلسطينيين.
آخر المعطيات أعلنت في يناير/كانون الثاني 2021، حين وقع 60 إسرائيليا قبل سن التجنيد على عريضة أعلنوا فيها رفضهم الخدمة في الجيش بسبب "احتلال أراضي الفلسطينيين وطردهم منها، وانتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وسياسة الأبارتهايد؛ وعنصرية المجتمع الإسرائيلي، والخطاب التحريضي".
متى بدأت تتراجع دافعية الإسرائيليين للانخراط في جيشهم؟
بدأت هذه الظاهرة بصورة متصاعدة عقب حرب أكتوبر 1973، بسبب الهزيمة التي مني بها الجيش الذي واجه تحديا يتمثل بتدني مكانته في نظر الإسرائيليين، بسبب الطابع الفاشل في معاركه بالسنوات التالية، وخاصة الحرب اللبنانية 1982-1985، وانتفاضة الحجارة 1987-1993، وانتفاضة الأقصى 2000-2005، وحرب لبنان الثانية 2006، وحروب غزة الثلاثة 2008، 2012، 2014.
شكلت هذه المواجهات العسكرية مناسبات متلاحقة، وإثباتات مخيبة للآمال على الانتكاسات المهينة للجيش، وأكدت التدني الأخلاقي لمستوياته القيادية وزيادة التأثير السلبي لإخفاقاته على صورته.
أسهمت هذه التطورات المتلاحقة منذ 4 عقود -أي أكثر من نصف عمر الدولة- في تراجع قناعة الإسرائيليين بأن لديهم الجيش الأقوى في العالم، وعلى العكس، فإنهم اليوم أقل تفاؤلا وأكثر خوفا، وتراجعت ثقتهم بجيشهم "الذي كان لا يقهر".
كيف يتعامل الجيش مع تراجع الانخراط في صفوفه؟
كانت العادة في السنوات الأخيرة أن تجري استطلاعات إسرائيلية للرأي تُظهر أن ثقة الإسرائيليين بجيشهم آخذة بالانخفاض، كما أجرت القيادة العسكرية استطلاعات سرية أعطت نتائج مشابهة، وذلك دفعها لإقامة لجان خاصة في الجيش لمعالجة المشكلة.
زادت الأزمة مع ما كشفه آخر استطلاع لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي في يناير/كانون الثاني 2021، عن انخفاض ثقة الجمهور في الجيش من 90% إلى 81%، وهي المرة الأولى التي تتراجع فيها نسبة الثقة إلى هذا المعدل.
ودأب قسم علوم السلوك في الجيش على سؤال جنوده عن رأي الإسرائيليين في مهنتهم العسكرية، وبعد أن صُنفت في الماضي بأنها "اعتبارية"، فقد تراجعت هذه النظرة بأعينهم، وباتوا مقتنعين بأنهم "كومة من المتعطلين"، ومع هذه الصورة القاسية يصعب بث روح حقيقية في الجيش والانتصار في الحرب.
وكان رئيس هيئة أركان الجيش السابق "أمنون ليبكين شاحاك" قد أحسن الوصف بقوله "كم ابتعدنا عن الأيام التي شكل فيها الزي العسكري مصدر فخر واعتزاز، ولم يعد التهرب من الخدمة العسكرية وصمة عار".
لماذا تتراجع معدلات الخدمة العسكرية الإسرائيلية؟
ينشر قسم الموارد البشرية في الجيش معطيات سنوية عن أفواج المجندين، وأكدت تقاريره للسنوات الأخيرة أن الشبيبة اليهودية غدت أقل حماس ة للتجند، وأقل رغبة للانخراط ضمن وحداته القتالية، وذلك لهذه الأسباب:
انخفاض مكانة الخدمة العسكرية بوصفه تعبيرا عن الانتماء للدولة.
عدم تحقق الوعود بحسم الحروب التقليدية دون دماء وعرق ودموع، وعدم بناء روح قتالية.
تصاعد معدلات "العلمنة والأمركة والتوجه نحو اللذة في إسرائيل"، وتحوُّلها إلى "مجتمع الثلاثة V" "الفيديو والفولفو والفيلا"، وظهور الإسرائيلي الذي ينصرف عن الخدمة العسكرية ويفر منها.