أرهقنا ذلك البعد الشاسع المتمثل في الفجوة الكبيرة بين الواقع الحقيقي الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني، وبين ما يراه بعض القادة المتنفذين سواء كانوا أصحاب سلطة في الحكم أو أصحاب قرار في فصيلٍ ما هُنا أو تنظيمٍ ما هُناك، وهذا ما ينعكس جلياً باتساع تلك الفجوة إذا ما قمنا بالقليل من التركيز على خطابات من يعتلوا رأس الهرم في الحكومة الفلسطينية، فبمجرد أن يسرح أحدنا بما يحمله فحوى خطابهم سنكتشف وبسهولة مطلقه أن ما يصلهم عن واقع هذا الشعب ما هو إلا صور بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه هذا الشعب، ولعل حلقة الوصل بين أولئك القادة وبين هذا الشعب والذين تم تكليفهم بنقل صورة الواقع من داخل المجتمع يقع على عاتقهم الجزء الأكبر من المسؤولية إيزاء ذلك، وبالطبع هذا ما يقود إلى خلق حالة من التردي المؤسف فيما يتعلق بواقع شعبنا الحياتي والمعيشي والتعليمي والثقافي ...إلخ .


ولم تكُن مُعاناة شعبنا وليدة اللحظة، كما أنها أيضاً لم تخرج من محض إرادتهم، فالتراكمات المتسلسلة في التعدي على حاجات وحقوق ومتطلبات هذا الشعب على مدار سنوات طويلة ولأسباب سياسية انبثقت من الاختلاف السياسي و التنافر القطبي لبعض التنظيمات المتحكمة بالقرارات الفلسطينية، بالإضافة للأيديولوجية الصهيونية التي تتبعها بعض الدول الأوروبية والعربية في تمرير خطط واستراتيجيات أعدها الكيان الصهيوني مُنذ عقود طويلة تتبلور الآن في آليات تنفيذ يتم تحقيقها على شكل توسعات استيطانية و سكانية و جغرافية وبيئية كنوع من ترسيخ الجذور الصهيوأمريكية فوق الأراضي العربية عامة والفلسطينية على وجه الخصوص. كل ذلك وغيره الكثير من الاشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية والصحية والبيئية والتعليمية ...إلخ، لعبت جميعها معاً دوراً خطيراً في إعادة برمجة العقل الباطن لدى المجتمع الفلسطيني، وتحويلة من مجتمع ثوري صاحب هدف وقضية إلى مجتمع ممزق ومحتاج يفتقر إلى أدنى حقوقه المدنية .


قد تكون نظرة المجتمع للواقع الذي يعيشونه سوداوية، وقد تخلو صدورهم من أي أمل قد يتعلق بما هو قادم، ولا يستطيع أحد أن يُلقي اللوم عليهم حول ذلك، لاسيما أن تجاربهم السابقة في السنوات الأخيرة لا تسمح حتى بتسرب أي شعاع نور لديهم من الأبواب الكثيرة التي كانت مفتوحة وأغلقها كل من الانقسام الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، ولن تتغير تلك النظرة إلا من خلال تغيير حقيقي في محركات النظام القائم، وبالطبع لن يحدث هذا التغيير بالطريقة التي تعيد لهذا المجتمع الثقة من جديد وتتيح له التأمل بما هو قادم من جديد إلا من خلال ممثلين منبثقين من هذا المجتمع يشاطرونهم همومهم و أوجاعهم ويعيشون معهم مشاكلهم وينتمون لثقافتهم ومدنيتهم .


إنه من المهم والضروري لكي يتم خلق فرصة حقيقية للتغلب على العقبات السياسية والمعيقات الحزبية والتي جميعها يعرقل تحقيق الأهداف الوطنية المتمثلة في تحرير فلسطين تدريجياً وصولاً إلى اعتراف دولي وإقليمي بفلسطين من البحر إلى النهر وعاصمتها القدس الشريف " وهذا هو الهدف العام لمنظمة التحرير الفلسطينية "، أن يتم تركيز الضوء على كيفية بناء مجتمع مدني صحيح وقوي يتمتع ببنية ثقافية وتعليمية و وطنية وثورية، مجتمع خالي من الأمراض التي تُضعف قواه و تفتك من عزيمته وإصراره كالفقر والحاجة والضغينة والعنصرية والجهل والخيانة، مجتمع يؤمن بقيادته ويلتف حولها ويساندها ويثق بقراراتها، مجتمع يجتمع في وجه العدو الصهيوني كما الجسد الواحد دون أن تُقَطّعُ أوصاله أو يتخلله أي ضعفٌ هنا أو ركوع هناك.


وحتى نصل إلى هذا المجتمع، لا بد أن نصل إلى قادةٍ حقيقيين تؤمن بدور أفراد المجتمع في بناء الدولة وتسعى في سبيل ذلك بالمقام الأول إلى صناعة وصيانة أفراد هذا المجتمع، ليتسنى بالنهاية للجميع إلى خلق فرصة حقيقية لبناء وطن قادر على استرجاع ما تم سلبه من حقوق تتعلق بالأرض والعرض .

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد