تحليل: لماذا تلجأ إسرائيل إلى أمريكا للمساعدة في مواجهة المحكمة الجنائية؟
مع بدء التحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية، لجأت إسرائيل إلى واشنطن بأمل أن تساعدها الإدارة الجديدة، كون أنه لا تزال العقوبات التي فرضها ترامب على المحكمة قائمة، وتشير التقديرات إلى أن الخطوات التي اتخذها ترامب ضد المدعي العام في المؤسسة وموظفيها لم تمنعها من اتخاذ قرار ب فتح التحقيق.
ويعد قرار محكمة لاهاي بفتح تحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية يشكل تهديداً كبيراً للجنود الإسرائيليين الذين خدموا في الجيش، لكن التهديد ليس فورياً لأنه يحتاج لبضعة أشهر،وقد أدركوا في إسرائيل أنهم سيحتاجون إلى دعم الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن وقد طلبوا بالفعل المساعدة منه في الأسابيع الأخيرة.
وقد وصلت العلاقات بين واشنطن ومحكمة لاهاي في الوقت الراهن إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد أن فرض الرئيس السابق دونالد ترامب عقوبات على المؤسسة، ومنع المدعي العام باتو بنسودا الذي اتخذ قراراً بشأن التحقيق من دخول الولايات المتحدة برفقة موظفيها.
كما طرحت القضية أيضاً في محادثة بين نتنياهو وبايدن والتي جرت قبل شهر، ونوقشت أيضاً في اتصالات بين أشكنازي ووزير الخارجية الأمريكي بلينكين وبين المسؤولين السياسيين، حيث قال الأمريكيون إنهم ينظرون إلى التحقيق في جرائم الحرب باعتباره أمراً خطيراً وسيساعدون الإسرائيليون حيثما أمكنهم ذلك.
ومع ذلك فإن الافتراض السائد في إسرائيل هو أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تفرض عقوبات جديدة على محكمة الجنايات، ويبقى السؤال المهم الآن ما إذا كان بايدن يريد مساعدة إسرائيل في هذا الأمر ، لأن العقوبات الحالية لم تمنع بنسودا من اتخاذ قرار ببدء التحقيق.
و قالت صحيفة يديعوت أحرونوت أنه "بعد فتح التحقيق، قد يجد المسؤولون الإسرائيليون من العسكريين ومن يروجون لأنشطة المستوطنات أنفسهم في مواجهة إجراءات جنائية، وقد تصدر بحقهم أوامر اعتقال أو أوامر تقييدية يمكن أن يشمل هؤلاء كبار المسؤولين أيضاً، بما فيهم رئيس الوزراء نفسه والوزراء ورئيس الأركان والقادة العسكريين ورؤساء المجالس المحلية وكبار الضباط".
وبما أنه من المحتمل عدم تعاون إسرائيل مع المحكمة، وبالتأكيد في موضوع البناء في المستوطنات، فهناك تخوف من أن تصدر المحكمة أوامر توقيف ضد إسرائيليين، حيث يُخول للمحكمة أن تصدر أوامر القبض سراً دون علم الشخص الذي صدر الأمر بشأنه بمجرد إصدار مذكرة التوقيف، وتكون كل دولة عضو في المحكمة ملزمة بتأييدها ونقل المعتقل إلى محكمة لاهاي.
وتضم المحكمة 122 دولة عضواً، بما في ذلك جميع دول أوروبا الغربية والأمريكتين تقريباً باستثناء الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، لديها أعضاء من بعض الدول الأفريقية بالإضافة إلى أستراليا واليابان ودول أخرى في آسيا (وفق ويكيبيديا)، لا يتمتع رؤساء الدول والوزراء بأي حصانة أمام المحكمة، بمن فيهم من لا يزالون في مناصبهم، وهذا يعني أنه إذا صدرت أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبار، فإن قدرتهم على السفر إلى العديد من البلدان ستكون في الواقع مقيدة، وسيتطلب القرار من إسرائيل أن تتوخى الحذر والحذر بشكل خاص فيما يتعلق برحلات الشخصيات الإسرائيلية وكبار الضباط إلى الخارج خوفاً من الاعتقال.
ستنتهي بنسودا فترة ولايتها في الأشهر المقبلة، والقرار لا يُلزم المدعي العام الجديد البريطاني كريم خان والذي يعد المرشح المفضل لإسرائيل، حيث تحركت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة على الساحة السياسية للضغط على المدعي لعدم فتح تحقيق، وكان هناك أمل لدى النخبة السياسية في إسرائيل في أن تترك بنسودا القرار لمن سيتولى منصبه في يونيو التقديرات في إسرائيل هو أن بنسودا ما كانت لتعلن عن ذلك لولا التنسيق معه.
وبصرف النظر عن إسرائيل، قد تجد حركة حماس نفسها أيضاً في الجانب قيد التحقيقات التي ستُجريها المحكمة، وعلى الرغم من ذلك، رحبت حماس والسلطة الفلسطينية في الواقع ببيان المدعية العامة، كما صرحت حماس أن "مقاومتنا شرعية ودورها حماية شعبنا، والقانون الدولي يؤكد المقاومة والمعارضة المشروعة".
ويعتبر هجوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير أمنه بني غانتس ورئيسه رؤوفين ريفلين على قرار المدعي العام، إلا دليل واضح على الخوف الذي تعتريه المؤسسة العسكرية والسياسية من تطبيق قرارات الجنائية، وبحسب نتنياهو "عندما تكون المحكمة منحازة مسبقاً ضد دولة إسرائيل ، هناك شيء واحد فقط يمكن القيام به النضال من أجل الحقيقة في جميع البلدان، وفي جميع المراحل وفي جميع المحافل، علينا حماية كل جندي، وكل قائد بل وحماية المواطن".
أما وزير الأمن الاسرائيلي غانتس، عندما علم بقرارات الجنائية الدولية بدأ يستنفر حنجرته وقواه الكلامية ضد فصائل المقاومة، لأنه سُعتبر أول شخص سيتم محاكمته من قبل المحكمة الدولية لإرتكابه جرائم حرب، حسبما صرح بنفسه عن ذلك، وعندما قال بأن "حماس وحزب الله يخفون الصواريخ في أقبية منازلهم، ويستخدمون سكان غزة ولبنان كدروع بشرية"، فهو بذلك يريد لفت أنظار العالم إلى أنه هو الضحية وأن تلك الفصائل هي الجلاد،
وكما صرح أيضاً بأنه "يجب على الفلسطينيين أن يستوعبوا أننا نحل النزاع فقط عبر المفاوضات" فهو لا يريد بذلك أن تطير السلطة الفلسطينية إلى لاهاي للتحقيق في الجرائم التي ستُنتسب إليه، وما تهديدات إسرائيل بوقف المشاريع والأنشطة التنموية ضد السلطة الفلسطينية إن ذهبتت للهاي إلا خير دليل على ذلك.
وبالجدير بالذكر أن بنسودا أعلنت عن فتح تحقيق للنظر في الجرائم التي وقعت في الأراضي الفلسطينية اعتباراً من 13 يونيو 2014 بعد يوم من بدء عملية عودة المستوطنين الثلاثة المخطوفين، والتي أدت لاحقاً إلى عملية "الجرف الصامد" على قطاع غزة.