تستعد حركة حماس للمعركة الإنتخابية والمهمة بالنسبة لها كونها ستكون وحدة القياس لأدائها السياسي طوال أربعة عشر عاماً , فحماس معنية أن تعرف وزنها في الشارع الفلسطيني وخاصة بعد التغيرات الجذرية التي حصلت لها , فالنجاح بالإنتخابات بالنسبة لحماس لا يعني الحكم فقط , إنما يعني إنتصار لفكر الإسلام السياسي (...) والمشتق من فكر الإخوان والذي هو الآن منشقاً عنه , ففكر الإسلام السياسي لحماس هو نفس الفكر , ولكنه كان يدور في فلك الإخوان , والآن يدور في فلك الأنظمة العربية , لأنها هذه هي طبيعته البراغماتية , فحماس تعلم تماماً أن قضية الحكم بالنسبة لها محسومة مسبقاً , وحتى لو سقطت في الإنتخابات ستكون ضمن حكومة وحدة وطنية , بالإضافة الى أنها قادرة على ممارسة المعارضة في المجلس التشريعي بإمتياز , وهناك ضمانات دولية لصون حقوق موظفيها والذي يزيد عددهم عن أربعين ألف موظف مدني وعسكري , بدأ من البواب ووصولاً الى وكيل الوزارة , فهذه الأمور "تقسيم الكعكة" كلها متفق عليها في حوارات القاهرة , فالنجاح بالنسبة لحماس يعني الحكم , والسقوط أيضاً بالنسبة لحماس يعني الحكم , ولكن السقوط يعني سقوط الفكرة وسقوط التجربة وسقوط الرهان .

أما السؤال الذي يطرحه الكثيرون , وهو أنه في حال فوز حماس في الإنتخابات التشريعية القادمة , هل سيقبل المجتمع الدولي هذا الفوز , أم سيحدث مثلما حدث في إنتخابات 2006 , عندما تحول فوز حماس الى حصار مالي للسلطة لأكثر من عام , ومن ثم إنفصلت غزة عن الضفة كلياً ؟ برأيي أن حماس بالفعل قدمت أوراق إعتماها للمجتمع الدولي في حال فوزها في الإنتخابات القادمة , وقد يساعد على نجاح هذا الإعتماد سببين مهمين , الأول هو طبيعة المرحلة التي يمر فيها العالم اليوم , والذي جعل من القوى المؤثرة كالولايات المتحدة وحلفاؤها أن يستخدمو سياسة الجزرة , والتي بدورها إستقطاب الجماعات التي تسمي نفسها إسلامية , بهدف أن تلعب الولايات المتحدة بهذه الجماعات كفرض موازين قوى جديدة , وأيضاً ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها أن الجزرة ستكون أقل تكلفة من العصا مع هذه الجماعات , أما السبب الثاني لقبول أوراق حماس في المجتمع الدولي , هو أن حماس غيرت وبدلت في وثيقتها الجديدة , فالنقاط التي تم تغييرها هي نقاط جوهرية , وأهم هذه النقاط موافقة حماس على دولة على حدود 67 , وذلك كما تنص إتفاقية أوسلو تماماً (...) وأيضاً إنشقاق حماس عن الإخوان تنظيمياً , وإعتراف حماس بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني , وكذلك الحديث عن الدولة المدنية والحريات والإنفتاح على العالم , وكثير من الأمور التي قلبت حماس رأساً عن عقل , وهذه الأمور بحد ذاتها ستقرب حماس من المجتمع الدولي في حال فوزها في الإنتخابات .

إن تجربة دولة غزة والتي بدأت منذ أربعة عشر عاماً الى اليوم , كانت ولا زالت العنوان الرئيسي في أوراق إعتماد حماس للمجتمع الدولي , فتجربة حماس في غزة أثبتت للجميع أنها تسعى للسلام تحت مسمى هدنة طويلة الأمد , ولكن هذا السلام بطريقتها الخاصة والتي ربما يتفق معها الكثيرين لأنها تعتمد على إستخدام القوة ضد الإحتلال من أجل الوصول لإتفاقيات قد ترضي الطرفين , ويختلف معها الكثيرين كونها طريقة لا تلبي أبسط القضايا والثوابت , ومع كل هذا فاليوم إسرائيل والولايات المتحدة تعرفان جيداً ماذا تريد حماس , ولكنهما لا يلبيان منه إلا القليل , ويتركان الكثير كورقة مساومة يلعبان بها في الوقت المناسب , وبرأيي أن الوقت المناسب بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة لقبول حماس كشريكة رسمية للسلام , هو بعد الإنتخابات التشريعية والرئاسية القادمة , لأن فوز حماس أو حتى سقوطها ودخولها في حكومة وحدة مع فتح , سيكون بداية رسمية لسياسة إسرائيل والولايات المتحدة الجديدة والتي ترى أن سياسة الجزرة في هذا الوقت أهم من سياسة العصا , وخاصة أن حماس قدمت سلفاً أوراق إعتمادها للمجتمع الدولي كحركة وسطية ومعتدلة بحسب ما قالت عن نفسها في وثيقتها الجديدة .

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد