بعد غياب طويل، تعود الجامعة العربية للاجتماع، والهدف المعلن والمتكرر مناقشة القضية الفلسطينية في ضوء التطورات الجارية. ولكن يبدو أن الاجتماع سيعالج أيضا استحقاق انتخاب أمين عام جديد للجامعة والأرجح أن يكون الدكتور أحمد أبو الغيط، الذي ترشحه مصر لدورة جديدة.
خلال فترة الانقطاع لم تتمكن الجامعة العربية من عقد دورة لها، بسبب استقالة فلسطين من رئاسة الدورة، تلاها رفض قطر ثم الكويت تسلم الرئاسة.
غير أن هذا الغياب لا يمكن تبريره، برفض ثلاث دول إشغال منصب الرئاسة، فالأساس هو أن فترة الغياب شهدت جملة من التطورات المهمة والخطيرة على المشهد السياسي العربي، تشير إلى انقسام في المواقف إزاء العلاقة مع الكيان الصهيوني.
إذا كان موضوع اختيار شخصية لمنصب الأمين العام، لا ينطوي على أهمية كبيرة، طالما أن الوضع العربي على حاله من الانقسام والضعف والتشرذم، حيث لا يستطيع أي عطار إصلاح ما أفسده الدهر، فإن الأهم والذي يحتاج إلى نقاش صادق وجريء هو الذي يتعلق بالوضع العربي في ضوء تغيير الإدارة الأميركية.
عملياً يتزامن الاجتماع تقريبا مع اجتماعات الفصائل الفلسطينية في القاهرة، لبحث ملف الانتخابات، ونحو معالجة العراقيل التي قد تقف أمام إمكانية تحقيقها ونجاحها، غير أن هذا التزامن، أقرب إلى الصدفة منه إلى علاقة الاجتماعين الفلسطيني والعربي، بالملفات المطروحة أمام كل منهما، إلا بما يمكن أن يصدر عن اجتماع الجامعة العربية من بيان يعكس موقفا عربيا لتأييد ودعم إجراء الانتخابات الفلسطينية.
التطورات التي جرت خلال المرحلة القريبة السابقة تستدعي بحثا عميقا من قبل كل العرب، نحو إعادة التركيز على أولوية القضية الفلسطينية، دون تجاهل ملفات أخرى تنطوي على أهمية.
خلال مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية وفي عصر ترامب اندلق العرب، أو بعضهم إلى التساوق مع أهداف السياسة الأميركية الإسرائيلية، وراهن ذلك البعض على ضمانات ومكاسب تقدمها الولايات المتحدة، وتعطي إسرائيل ثمن تلك المكاسب.
بعيداً عن الكلام الجميل الذي يغطي ذلك البعض العربي خيبته، بالحديث عن الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني، فقد انخرط هؤلاء في مخططات تخدم التوسعية الإسرائيلية، واستبدلت الضمانات العربية والذاتية لحماية الأمن القومي العربي، بحماية صهيونية.
في الواقع لم تخف تلك الخطابات الجميلة إزاء الحقوق الفلسطينية رؤية ذلك البعض العربي، للأولويات في المنطقة، حيث وضعت الملف الإيراني على رأس قائمة الأولويات، وبعضها اعتقد أنه يحقق لبلاده مصالح وطنية، تستحق أن يقايضها بالموقف من القضية الفلسطينية والعدوانية التوسعية الإسرائيلية.
إثر انتخاب بايدن، وقع العرب في حيص بيص من أمرهم، فالرجل أعلن مواقف مختلفة إزاء الحقوق الفلسطينية، وأعاد الأمور إلى ما كانت عليه في زمن باراك أوباما.
ليس هذا هو الأهم بالنسبة للأنظمة العربية حتى وإن كانت الإدارة الأميركية تزايد على الجميع من خلال، ما تنوي اتخاذه من إجراءات لتحسين العلاقة مع السلطة الوطنية، وإعادة تقديم الدعم المادي، واستعادة العلاقات الدبلوماسية، فما يحرك العرب حتى الآن هو، المخاوف المترتبة عن رؤية بايدن للملف الذي شكل الذريعة لإبرام اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
بايدن يؤكد أن إدارته ستراجع الالتزامات التي وافقت عليها إدارة ترامب إزاء استحقاقات التطبيع خصوصا ما يتعلق بطائرات (إف 35)، والذخائر للسعودية فضلاً عن قضايا أخرى، والمخفي أعظم. في الواقع كان على العرب أن يتنبهوا إلى أن إسرائيل عارضت حصول أي دولة عربية على هذا النوع من الطائرات، أو على الأقل إن أصرت الإدارة الأميركية، فإن عليها أن تقلص الإمكانيات التكنولوجية والتسليحية التي تتمتع بها تلك الطائرات والأسلحة.
عدا ذلك ترفض الإدارة الجديدة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية كما كانت ستفعل إدارة ترامب، بل إنها تنتقد دور السعودية في الحرب اليمنية، بالإضافة إلى انتقاداتها لملف حقوق الإنسان. ولكن لعل الأهم والمشترك بين دول الخليج، وإسرائيل هو الرؤية المختلفة لإدارة بايدن إزاء كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني.
الخط العام لإدارة بايدن إزاء إيران يقوم على العودة إلى اتفاق خمسة زائد واحد، وعبر حوار، يشمل موضوعي دور إيران في المنطقة ومنظومة الصواريخ الباليستية.
في الواقع يمكن أن نتوقع مدى صعوبة هذا الملف ذلك أن إيران صمدت رغم العقوبات الأميركية المشددة والواسعة التي فرضتها إدارة ترامب، فماذا يمكن أن تفعل إدارة بايدن أكثر مما فعلته الإدارة السابقة لإرغام إيران على التراجع، وتقديم تنازلات خارج إطار اتفاقية خمسة زائد واحد؟
هذا الملف يمكن أن يتسبب في مشكلات لدول الخليج، ولإسرائيل في الوقت ذاته، مع الإدارة الأميركية، فلقد عبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي عن معارضة قوية، حين أعلن أنه أمر الجيش بإعداد خطة إضافية لمهاجمة إيران عسكرياً بينما انتقده معظم السياسيين الإسرائيليين بمن في ذلك وزير الدفاع غانتس، إلا بنيامين نتنياهو . والسؤال هو هل يمكن أن تشكل إسرائيل حليفاً لبعض العرب، في حال جاءت حسابات الإدارة الأميركية مختلفة.
إذا كان من غير المحتمل أن تتراجع الدول الواهمة عن قرارات التطبيع، فهل يعود العرب إلى رشدهم نحو إعادة صياغة سياساتهم بالاتجاه الذي يخدم الأمن القومي العربي بأيدٍ عربية، أم أن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى يكتشفوا المصيبة التي أوقعوا أنفسهم وشعوبهم بها؟

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد