إذا اعتبرنا أن عقد الانتخابات التشريعية أصبح مرجحاً للغاية، وأن عدم الاتفاق والتوافق على عقدها، لأي سبب كان أصبح ينطوي على خطر كبير ومجازفة لا يقدر على تحمل تبعاتها أحد، فإن تواتر الأحداث حول القائمة الوطنية المشتركة الشاملة، أو القائمة المشتركة بين حماس وفتح، أو بين بعض فصائل اليسار، وصولا إلى «المشاورات» الكثيرة التي تجري لتشكيل قوائم معينة بما فيها تلك التي تصنف نفسها بالقوائم المستقلة يثير لدى قطاع واسع من الناس شكا ومفاده: أين قائمة المنظمة؟ ولماذا لا نلحظ أو نسمع صوتاً عالياً حولها؟
بل إن السؤال الحقيقي هو: لماذا صوت القائمة الخاصة بالمنظمة خافت لدى الجميع، أو خافت لدى من يفترض أنهم في الصفوف الأولى من المدافعين عن المنظمة، وهم يمثلون حالة عضوية في نشأتها وتطورها ومكونات رئيسة منها؟
ولماذا يتم الحديث بصوت عال عن تحالفات هنا وأخرى هناك، وعن قوائم ل فتح وأخرى هجينة أو مهجنة عنها، أو قوائم ملحقة بفتح وأخرى بحماس، أو قوائم بين منظمات «يسارية» صغيرة وقوائم «يسارية» كبيرة دون أن يتم الحديث ولو بنفس الدرجة أو النبرة عن التحالف الوطني الأهم في تاريخ الشعب الفلسطيني، وهو التحالف الذي مثلته المنظمة، وما زالت قادرة على أن تمثله اليوم، وفي المستقبل أيضاً؟
أيعود السبب يا ترى إلى اعتقاد القائمين على منظمة التحرير الفلسطينية من كل أنواع القائمين عليها بأن حال المنظمة بما هو عليه من «هلهلة» أو «ترهّل» لا يشجع على اعتماد قائمة باسمها، وأن التحالف الذي تمثله لم يعد فيه من عناصر الجذب السياسي لخوض غمار معركة الانتخابات التشريعية؟
أم أنه ربما يعود لاعتبارات أخرى من نوع، أن المنظمة كتحالف وطني عريض «تؤمّنه» توافقات الإعداد للمجلس الوطني، وأن الانتخابات التشريعية مختلفة نسبيا عن هذا السياق؟
أيمكن أن يكون تفسيره «بتفضيل» البعض لتحالفات أوسع من تحالفات المنظمة سيمهد الطريق أمام انتخابات رئاسية «سلسة» وأمام توافقات أسهل للمجلس الوطني؟
وهل أن بعض المفترض بأنهم «المتمسكون» بالمنظمة، وما تمثله لا يرون إمكانية التفاهم السياسي على برنامج سياسي يجمع كل مكوناتها في هذه المرحلة، وان انعدام هذه الإمكانية بالذات يجعل البحث عن قوائم أوسع أو أضيق من إطار المنظمة مسألة مشروعة؟
لا تقف الأسئلة عند هذا الحد، وليس هناك من أجوبة حاسمة عنها.
لكن ومع ذلك وفي معرض المحاولة فإن هناك من يعتقد أن «معركة» السلطة الوطنية هي المعركة الأهم باعتبارها مركز الثقل الفعلي، وأن الثقل «النظري» للمنظمة لا يجوز أن يغيّب الثقل الرئيس للسلطة، ما يعطي للانتخابات التشريعية أهمية أكبر بكثير من أهمية المنظمة في هذه المرحلة.
«يستدل» هؤلاء على وجهة نظرهم من مركزية قيام الدولة الوطنية المستقلة في إطار البرنامج الوطني، وباعتبار أن الدولة هي عنوان حق تقرير المصير، وعنوان الاستقلال الوطني، في حين أن «موضوع» حق العودة سيتحول «موضوعياً» إلى موضوع دولي وإقليمي لاحق وليس سابقا على قيام الدولة.
أما اليسار الفلسطيني، والذي هو في الواقع مكون رئيس ثان أو ثالث بوجود المنظمات الشعبية ومن يعرفون بالمستقلين في إطار المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها فإنه «يائس» من القدرة على فرض برنامج إصلاحي شامل وفعال للمنظمة، بدليل أن شعار إصلاح المنظمة ومؤسساتها يساوي عمر هذا اليسار نفسه في عضوية المنظمة وفي صفوفها.
كما أن ضعف اليسار النسبي قد عزز من حالة اليأس هذه في واقع الاستقطابية السياسية الحادة في الساحة الوطنية، والتبعية الكبيرة للمنظمات الشعبية والمستقلين لحالة الاستقطاب القائمة وهي تبعية لا يحظى اليسار بنصيب مؤثر منها.
كما أن طابع اليسار الفلسطيني (عموماً) بما هو يسار «سياسي» أكثر منه يسارا اجتماعيا مثابرا إنما يغلب التوافق السياسي على كل الاعتبارات الأخرى، ما يجعل هذا اليسار عرضة لتحالفات سياسية مغامرة، بما في ذلك بعض التحالفات الضمنية مع
«الإسلام السياسي» بكل ما ينطوي على ذلك من مجازفات وأخطار، أما «الإسلام السياسي» (والشي بالشيء يذكر) فإنه في غاية السعادة والاغتباط، وهو يرى المكونات الرئيسة الوطنية والديمقراطية للمنظمة وهي تضع قائمة المنظمة جانباً، أو تؤجل الحديث عنها إلى حين الاتفاق أو التوافق على تحالفات أخرى.
«الإسلام السياسي» تهمه السلطة أولاً، ولا تهمه المنظمة إلا إذا كانت ممرا إجباريا للسلطة، وبالتالي فإن أمور التوافقات من خارج المنظمة تقع (على قلب «الإسلام السياسي» زيّ العسل).
صحيح أن مهمة الكاتب السياسي الإسهام بقدر ما هو ممكن ومتاح بالإجابة عن هذا النوع من الأسئلة، وعن أسئلة أخرى مماثلة، لكن المهمة الأهم هي التحذير والتنبيه، إضافة إلى التوعية والتوضيح، وأخيراً وليس آخراً مسؤولية النصح وقول الحقيقة، بقدر ما يراها الكاتب عن معرفة وقناعة أيضاً.
الركون إلى دور السلطة على حساب موقع ودور المنظمة خطر ووهم، والاعتقاد بأن أمور المنظمة «مقدور عليها» في إطار الترتيبات اللاحقة للمجلس الوطني القادم أخطر من الخطر الأول والاعتقاد بأن تحالف المنظمة وقائمتها أقل جاذبية سياسية من القوائم الأخرى هو وهم مضاعف.
وإذا بدأنا بحركة فتح، وهي القائدة الوطنية التي تحملت مسؤولية الكيان والهوية، ومسؤولية الانتقال الاستراتيجي من مرحلة اللجوء إلى مرحلة الثورة، ومن مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، وهي ما زالت تقود الشعب الفلسطيني على الحدود الفاصلة بين المفهومين الأخيرين، فإنها (أي فتح) تخطئ كثيراً إذا اعتقدت أن تحالفاً من خارج المنظمة سيكون أكثر أهمية من التحالف الوطني الذي تمثله المنظمة.
بل وأكثر من ذلك فإن فتح يمكنها أن تحيّد وتهمش كل محاولات التمرد على وحدتها أو المس بقرارها من خلال وعبر بوابة المنظمة بالذات.
فتح أكثر وحدة وتماسكا وقدرة عندما تخوض هذه الانتخابات باسم المنظمة وبقائمة تعكس مكوناتها وتعبر عن برنامجها. ويكاد ينطبق هذا الأمر بكليته على فصائل اليسار الكبيرة وكذلك الفصائل الأصغر، تماماً كما ينطبق على المنظمات الشعبية وعلى جموع المستقلين فيها.
والسبب بسيط، وهو أن المنظمة هي الأبقى، وهي حاملة المشروع، وهي صاحبة الولاية، وهي عنوان الهوية والكيانية الوطنية، وهي متاحة للإصلاح والتطوير وإعادة التفعيل عندما تتوفر الإرادة السياسية المطلوبة.
ولا يجدر بأحد أن يضحي بالمنظمة بكل ما هي عليه، وما تمثله، وما تعكسه من مصالح وطنية عليا للشعب، وما تعبر عنه من أهداف وحقوق وطنية راسخة.
ولا يُفترض بأي حال أن تكون المنظمة موضوعاً للمقايضة مع أي مكاسب أو مؤسسات أو تشكيلات من أي نوع كان.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية