بقلم/ حازم مصطفى شملخ

باحث في سلك الدكتوراه كلية الحقوق- أكدال جامعة محمد الخامس بالرباط

ترتبطُ الحقوق السياسية ارتباطاً وثيقاً بوضعية الفرد داخل المجتمع، وبمدى توفر"مقومات العيش المشترك"، التي تتحقق في ظل وجود نظام سياسيّ قائم أسس ديمقراطية، ويعتبر الحق في المشاركة السياسية عبر الترشح أو التصويت في الانتخابات" الرئاسية أو البرلمانية أو البلدية" أبرز هذه الحقوق، إلى جانب حق الانتماء إلى حزب سياسي، وتشكيل الجمعيات والنقابات، والمشاركة في التجمعات والأحداث أو الاحتجاجات السياسية...إلخ.

وتضمن هذه الحقوق للفرد الحرية الايجابية لـيستطيع المساهمة في عملية إدارة "شؤون المجتمع" الذي يعيش فيه، وهي تفترض وجوب تنظيم العمليات الحكومية، بالشكل الذي يُـتيح الفرصة لــجميع أفراد المجتمع للـمشاركة السياسية وفق المعايير والضوابط التي يحددها القانون.

ووفقاً للمفهوم الحديث للحقوق السياسية، فإنه ينبغي إتاحة الفرصة لمشاركة الشرائح المجتمعية كــافّة في عملية "صناعة القرار" داخل نظامِهم السياسي دون قيودٍ أو شروطٍ، من خلال اختيارهم لــممثلين عنهم بشكل مباشر. ولتحقيق ذلك، أنتج "العقل البشري" الانتخابات كــوسيلة فعّالة تضمن للفرد امكانية ممارسة حقوقه السياسية تحديداً "حقه في التصويت" للمشاركة في إدارة شؤون العامة.

بحيث أصبحت "الممارسة الانتخابية" إحدى مـرتكزات العميلة الديموقراطية في وقتنا الحالي، نظراً لنجاعة و فعالية وظائفها المتعددة، سواءً على مستوى تداولِ السُّلطة بينَ مُختلفِ الفاعِلينَ داخِل الحقلِ السّياسي، أو على صعيدِ المُراقَبة السّياسية التي تتم بصورةٍ مباشرةٍ من لدُّن عُموم الناخبين، على نحوٍ يُتيحُ لهُم امكانية مراقبة ممثليهم المنتَخَبين في شتّى المواقع ومحاسَبتِهم بالإقصاء في حالة اخفاقهم وتقاعُسهم، أو عبر مشاركة أفراد المجتمع في عملية "صناعة القرارات" التي تهم مصيرهم المشترك.

وتقوم الانتخابات على تفويض أفراد المجتمع لفرد أو مجموعة منهم ليمثلوهم بالشكل الـقانوني في المجالس النيابية أو البلدية، أو المواقِع التّنفِيذيّة "الرئاسة" في النُّظُمِ الرئاسيّة وشِبهِ الرئاسية، على النحو الذي يخوّلُ لهُم مختلفَ الصّلاحِيات للقيام بالتصرفات القانونية بهدف تحقيق الخير و النفع العام لكافة أفراد المجتمع. وهنا مربط الفرس.

ونظرا لأهمية "العملية الانتخابية" في تكريس دولةِ الحقِّ والقانون وتحقيقِ مقومات العيش المشترك في المجتمعات المتقدمة، سنسلط الضوء في هذا المقال على وظيفة الانتخابات كـوسيلةٍ لــتحقيقِ الذَّات في المجتمعات التي تتبنى الخيار الديمقراطي، وتداعياتِ المشاركةِ في العمليةِ الانتخابيةِ على صلابةِ ومتانةِ النظامِ السّياسي السّائد داخلَ المجتمع.

نشير في هذا الصدد، إلى امكانية توظيف الانتخابات كوسيلة لتحقيق الذات وجرد الحساب كأبرزٍ صورةٍ للمراقبةِ السياسيةِ خاصةً في البلدانِ التي تحرِصُ على تكريس مبادئ الديمقراطية، بحيث تعتبر الانتخابات وسيلةً غايةً في الأهميةِ بــــيد الناخبين لجردِ الِحساب وتصحيحِ المسارِ في مواجهةِ مُمَثّلِيهم الذينَ انتخبوهُم لِكي يُدافِعوا عن مصالِحِهم ويحافِظُوا على ضَمانِ استقرارِ مُجتمعاتهم والنهوض بها لمواجهة التحديات.

بمعنى آخر، يقوم "الناخب" بعملية جردٍ لإحصاء التصرفات والأعمال التي قام بها النائب أو الفريق البرلماني خلال فترة توليه هذه المهمة الوطنية ذات الطابع الخاص، وفي حالة وفائه بالتزاماتِه الورادة في برنامَجِه الانتخابي سيمنحه هذا الناخب ثقته عبر التصويت له مجدداً في الاستحقاقاتِ الانتخابيَةِ القادِمةِ، أما في حالةِ اخفاقه أو تقاعُسه، فــبدون أدنى شك سيتم اقصائه "ازاحته" من المشهد السياسي بصورة نهائية.

وفي السياق ذاته، تعد المشاركة في الانتخابات التشريعية واجبا وطنيا وإستحقاقا دستوريا، يتطلب مشاركة الجميع، تأكيدا منهم و عليهم على الإلتزام بالنهج الديمقراطي، والحرص على اتاحة المجال لمشاركة مختلف الشرائح الاجتماعية في عملية صنع القرار.

إذ يستطيع الصوت الانتخابي في الدول التي تتبنى النهج الديمقراطي قلب الموازين السياسية رأسا على عقب في حالة جرت الانتخابات طِبقا للمعايير التي يحددها القانون، وتشكل نسبة المشاركة في العملية الانتخابية معيارا رئيسياً للتمييز بين الانظمة السياسية الديمقراطية والمستبدة.

وتتجلى أهمية المشاركة في "العرس الديمقراطي" كما يطلق عليه البعض في بلداننا العربية في شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في هذه العملية، بحيث كلما كان لصوت الناخب تأثيراً قوياً كلما انعكس ذلك بالإيجاب على المسيرة الديمقراطية برمتها، بالتالي فإن البلد تسير على طريق الرخاء والاستقرار.

ويعكس حرص المواطنين على ممارسة حقهم "الانتخابي"، الذي يأتي على رأس هرم الحقوق السياسية، ثقتهم بالعملية الديمقراطية بصفة خاصة وبنظامهم السياسي بصفة عامة، ناهيك عن تأثير ذلك على سمعة البلد سواء على مستوى الإقليم أو في المنتظم الدولي، والفوائد الجمة التي تجنيها الدول جراء ذلك على كافة المستويات "سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا وثقافيا". إضافة إلى ذلك، يدل مؤشر حرص المواطنين واصرارهم على المشاركة في العملية الانتخابية على صلابة ومتانة نظامهم السياسي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بشتى أنواعها وأشكالها.

ومن زاوية أخري، فإن تأثير العزوف على المشاركة السياسية في الانتخابات العامة " تشريعية أو رئاسية أو محلية" يشكل أمراً سلبياً حول كافة مناحي الحياة السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لا سيما في البلدان التي تصنف ضمن خانة دول العالم الثالث، بحيث يعكس عدم ثقة ورضى أفراد المجتمع في نظامهم السياسي السائد. وعليه، فإن المجتمع الذي يعاني من عدم وفاء نوابه في المجالس التشريعية "البرلمانات" بالتزاماتهم تجاهه، ومن خذلان ممثليه في الوحدات المحلية "البلديات"، يكون بيئة خصبه لانتشار الأمراض الأوبئة الاجتماعية الفتاكة التي تعد المصدر الأساسي لتراجع المجتمعات وتقهقرها.

بالتالي تسود مشاعر الإحباط التي تدفع الغالبية العظمى من شرائح المجتمع إلى مقاطعة الانتخابات نتيجة عدم جدوى المشاركة في صنع القرار السياسي، لكونهم يدركون أن المشاركة الانتخابية لن تغير الواقع شيئا، ولن تحقق لهم أدنى متطلباتهم الحياتية.

تأسيسا على ما سبق، فإننا نؤكد على أهمية تهيئة المناخ المناسب من قبل السلطات الحكومية المختصة ليتمكن لكافة افراد المجتمع من ممارسة حقهم في المشاركة السياسية عبر التصويت بالانتخابات العامة بشتى أشكالها، باعتبارها أنجع الوسائل الديمقراطية لتصحيح المسار ومحاسبة المقصرين في أداء التزاماتهم تجاه المجتمع برمته.

فضلا عن دور الانتخابات في تجديد الشرعيات في النظم الديمقراطية، الذي يفترض وجود وعي سياسي واجتماعي يتشكل تدريجيا داخل المجتمع حول أهمية المشاركة السياسية في العرس الديمقراطي، إذ إن المشاركة الانتخابية تعني أن المواطن يدركُ أهمية دوره والتزامه تجاه العملية الانتخابية، وأنْ تتمَّ عملية اختيار المرشحين والانتخاب وفق معايير دقيقة، وبعد قراءة مُتمعنة في طبيعة المرشحين وفي سلوكهم وتوجهاتهم وبرامجهم الانتخابية، والوقوف عند مدى قدرتهم على تحقيق ذلك على أرض الواقع.

وأخيرا، أؤكد على ضرورة توظيف كل السبل و الامكانيات لتمر العملية الانتخابية في أجواء ديمقراطية،وضمان استمرار إجراؤها خلال المدة المقررة بمقتضى القانون الانتخابي، نظرا لتداعيات ذلك على مصداقية النظام السياسي داخليا وخارجيا، سيما في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم أجمع على كافة المجالات والمستويات.

وختاما، نشدد على أن الانتخابات كــفعل لا تكفي وحدها لتحقيق الغايات المرجوة منها، بل يتطلب الأمر توفر جملة من العوامل المؤسساتية والقانونية والثقافية والسياسية لتحقيق ذلك، سيما في المجتمعات التي تفتقر لمقومات الممارسة الديمقراطية السليمة.

الرباط في: 21.01.2021

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد