كتب الزميل أكرم عطا الله مقالاً مهماً بالأمس في «الأيام» تحت عنوان (ماذا لو جرت الانتخابات وفازت حماس ؟).
المقال مهم في اللحظة السياسية الراهنة ويدعو إلى التأمل والتفكير العميق بما طُرح فيه من أفكار وسيناريوهات، ولما أشار إليه في نهاية المقال من حقيقة غياب أو عجز أو تخلّف الفكر السياسي عن معالجات جوهرية من هذا القبيل.
ولعلّ أن السؤال أو الأسئلة ستتوالى: ماذا لو فازت فتح؟، ثم ماذا لو تم التوافق على قائمة وطنية شاملة، أو على قائمة مشتركة تقتصر على فتح وحماس، أو لو أن القوائم «الثالثة» اخترقت إلى حدود أن تصبح كتلة وازنة في كامل القرار التشريعي والسياسي، أو سيناريوهات مركّبة من تحالفات وائتلافات مغايرة لكامل هذا السياق؟
وبالفعل فإن الانتخابات الفلسطينية في قيمتها السياسية تكمن فيما إذا كانت هذه الانتخابات ستؤدي إلى انفراجة داخلية واشتباك إيجابي فعال في المحيط الإقليمي والدولي أم أنها ستؤدي إلى تفاقم العلاقات الوطنية الداخلية وعزلة الموقف الفلسطيني وتسهيل «مهمة» حشره في الزاوية وإطباق الحصار عليه!
أقصد أننا يمكن أن نجري انتخابات حرة ونزيهة وغاية في الشفافية ولكنها قد تفضي إلى مأزق داخلي وعزلة سياسية. في مثل هذا الوضع ألا يصبح الموضوع السياسي ويتحول إلى مفصل حاسم والى قضية مصيرية؟
أو ليس أمام مثل هذه الإمكانية نكون قد ذهبنا بأقدامنا نحو مجهول سياسي كبير جراء مغامرة العقل الفلسطيني؟
واللافت فعلاً أن معظم المراقبين والمتابعين عن كثب يتفقون على أن فوز حركة حماس فيما إذا نزلت للانتخابات بقائمة خاصة بها سيكون مرده على الأغلب إلى العامل الإسرائيلي، وسعيه لإنجاح حركة حماس، لما يمثله ذلك ـ من وجهة نظر إسرائيل اليمينية ـ من شمّاعة سياسية ستعلق عليها إسرائيل، وتبرر بها تنصلها من أي التزامات للمجتمع الإقليمي والدولي، وبما يساعدها على الاستمرار في ممارسة التدمير المنظم لأي حل سياسي قادم باستثناء الحل الإسرائيلي القائم على تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
كما يعزو هؤلاء أو أغلبيتهم أن فوز حركة حماس لن يتأتى إلا إذا كانت فتح منقسمة ومشتتة، لأن واقعاً من هذا النوع هو الذي سيبقي حركة حماس اللاعب الأهم في الميدان، وذلك بالنظر إلى ضعف القوى «الثالثة» وعدم قدرتها على المنافسة كقوة موحدة وبديلة.
لا يجدر بأحد ـ برأيي ـ الاستهانة بقدرة العامل الإسرائيلي على التأثير في سير الانتخابات الفلسطينية، كما لا يجوز الركون إلى وحدة وتماسك حركة فتح دون أن تتم معالجة الكثير الكثير من المشكلات، وسد بعض الثغرات، وردم الهوة القائمة في الحالة الفتحاوية لجهة العلاقة مع قاعدتها الشعبية في قطاع غزة ، وهو ما يتبين بوضوح أن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق اللجنة المركزية، ومجلسها الثوري في الفترة القريبة الحاسمة.
ولكن وبالمقابل فإن واقع حركة حماس ليس في أحسن أحواله حتى وإن كانت الأمور داخل الحركة أقل حدة مما هي عليه في حركة فتح.
فما يبدو وكأنه يعكس قدراً من «الانسجام» في صفوف الحركة لا يسنده على أرض الواقع الكثير الكثير من المظاهر والتعبيرات والتصريحات.
فلم يعد الحديث عن «إحجام» أعداد كبيرة من قواعد الحركة عن استساغة التحالف مع حركة فتح خافياً على أحد، كما أن اقتسام «النفوذ» داخل الحركة بين الداخل والخارج، وبين القطاع والضفة، وبين أجنحة الخارج وخفايا الصراع داخل بعض الأوساط المحسوبة على «القسام»، وغيرها وغيرها، كلها تشير إلى أن ما ذهب إليه د. محمود الزهار ليس مجرد «فشّة خلق»، وليس مجرد محاولة للتغريد من خارج السرب.
ولو عكسنا سؤال الزميل أكرم عطا الله بسؤال مقابل: ماذا لو جرت الانتخابات وفازت بها فتح؟ فهل سنكون في وضع فلسطيني مريح، أم أن نفس المأزق سيكون ماثلاً، وأن الانقسام ربما يتعزز، والحالة ستبدو مجهولة وضبابية؟
خلاصة القول إن «القيمة السياسية» للانتخابات الفلسطينية لن تتأتى عن صيغة التحالفات أو أشكال الائتلافات، ولا عن عدد القوائم ولا حتى وجود قائمة مشتركة أو قوائم مستقلة، وإنما فقط عن طريق الاتفاق والتوافق.
فقط في هذه الحالة نكون قد مهّدنا الطريق أمام إعادة بناء النظام السياسي، وجددنا الشرعيات، وحاولنا أن نغير في مسار إنهاء الانقسام، وأعطينا كل القوى الحق في المشاركة السياسية، ووضعنا الجميع أمام مسؤولية المشاركة أو المشاركة المسؤولة، وحوّلنا التحدي الانتخابي إلى فرصة وطنية.
فإما أن يؤدي اللااتفاق واللاتوافق إلى مأزق سياسي لهذه الانتخابات أو على العكس من ذلك، أن تتحول القيمة السياسية لهذه الانتخابات إلى قيمة وطنية مضافة تعزز الصمود والتماسك الوطني، وتسهم في دمقرطة الحياة السياسية الفلسطينية، وتمكننا من مجابهة استحقاقات المرحلة بما يكفي من التحصين الوطني والمنعة الاجتماعية.
ويبقى السؤال: كيف يمكن أن نحقق ذلك، وما هو البرنامج الذي يجب أن نتفق عليه، وما هي القضايا التي يمكن أن تستمر بكونها قضايا خلافية؟
وهل بالإمكان الموازنة بين انتخابات ديمقراطية، نزيهة وشفافة وبين التوافق على التزامات وطنية ملزمة للكل الوطني المشارك في هذه الانتخابات؟
بصراحة تامة فإن النقاش السياسي الجوهري حيال هذه المسألة بالذات ما زال قاصراً.
ويكاد الحوار السياسي أن يكون خارج نطاق البث والتغطية. ويكاد الاهتمام السياسي الفصائلي ينحصر في دائرة أوسلو، وفي أسبابه ونتائجه، ويغوص البعض في دهاليز أوسلو إما بالقطع التام معه، وإما بتجاوزه أو الإبقاء على شعرة معاوية فيه.
ويرى هؤلاء أو أولئك أن الكرة الأرضية وقوانينها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية إنما يسيرها الموقف من أوسلو وكيفية التعامل معه.
مع أن السؤال الآن لم يعد في هذا كله، وإنما في ضمان أن نصل إلى توافق وطني ملزم يحافظ على وحدتنا الداخلية إلى حدود التماسك الوطني، وبما يضعنا في وضع القدرة والتأثير والاشتباك الفعال مع حقائق السياسة واستحقاقاتها، ولا يؤدي بنا إلى وحدة ستؤدي إلى عزلنا أو إلى مواقف يمكن أن تضر بهذه الوحدة.
هذا الوسط الذهبي هو العنوان الوحيد المنتظر من الحوارات الوطنية، وبه فقط يمكن قياس نجاعة هذا الحوار، أما دون ذلك، أو بمعزلٍ عن كل ذلك فليس سوى ملهاة سياسية لا طائل من ورائها.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد