الحراك المتوتر والمتصاعد في الولايات المتحدة، لم يبدأ في الثالث من تشرين الثاني المنصرم، اليوم الذي جرت فيه الانتخابات الرئاسية الأصعب والأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة. لقد كانت تلك الانتخابات مجرد ذروة وليست الذروة الأخيرة، التي يمكن أن تستقر الأوضاع عند نتائجها.


الانتخابات عملياً كانت الكشاف الذي يلقي بأضواء ساطعة على طبيعة التحوّلات، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وربما البنيوية في هذه القارة التي يتشكل مجتمعها من مواطنين من أصول مختلفة.


استطاعت الرأسمالية بما تمتلك من إمكانيات هائلة وديناميات متحركة ومتجددة أن تنظم تلك المجموعات البشرية في نظام أساسه القانون، لكن القانون وأنظمة الديمقراطية الرأسمالية، لا تنجح في أن ترسي بعمق نظام العدالة الاجتماعية.


في مراحلها المتقدمة، دخلت الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة في مراحل متعددة من الأزمات الاقتصادية، التي لا يمكن معالجتها، إلاّ بالحروب كما حصل بعد الأزمة الاقتصادية العالمية العام 1929، أو بتغييرات جيوسياسية، تصاحبها حراكات اجتماعية، تتسم بالعنف والفوضى، في مراحلها المتقدمة تظهر الرأسمالية كل مميزاتها التوحشية، وينهار القانون الناظم العام للمجتمع والنظام السياسي، بسبب تفشي العنصرية، والتمييز واتساع دائرة الفقر والفقر المدقع، والتهميش، والرغبة في الانتقام أو الانتحار الذاتي.


في الولايات المتحدة، يملك عشرة أثرياء، هم الأكثر ثراءً في العالم العام 2020 بحسب القناة العبرية «12»، ما يقرب من تريليون ونصف تريليون دولار، فكيف إذا احتسبنا أن ثمة مئات الأثرياء في ذلك البلد من الذين يملكون ما يزيد على مليار لكل منهم؟ مقابل ذلك علينا أن نتوقع كم مليون فقير وكم مليون عاطل عن العمل، أو مهمّش لا يقوى على سدّ رمق يومه.


تستحق الأحداث الجارية في الدولة الأعظم والأكثر وحشية، والدولة الاستعمارية التي لا ترحم، بأن تستحوذ على تركيز الإعلام الدولي فما تواجهه من تداعيات ستكون لها آثار ضخمة على صعيد المجتمع الدولي والأنظمة والمؤسسات والقيم التي نظمت العلاقات بين الدول لأكثر من نصف قرن.


أسبوع واحد فقط بقي على يوم تنصيب الرئيس الجديد المنتخب جو بايدن ولكنه أسبوع حافل بالأحداث الصعبة، فالديمقراطيون يواصلون الضغط عبر الوسائل القانونية، لإرغام ترامب على الاستقالة أو الإقالة والعزل.


غريب أن يتعرض رئيس أميركي لإجراءات العزل مرتين خلال أربع سنوات وجوده في البيت الأبيض، هذا لو كانت الظروف طبيعية أما وان الأوضاع تنبئ بتحولات ضخمة فإن ذلك ليس سوى مؤشر على طبيعة تلك التحولات.


ترامب قرر أن يتخلف عن حضور حفل التنصيب، ما يعني أنه يتحول إلى زعيم متمرد، وبسلوكه هذا فإنه يحرض مناصريه على القيام بأعمال شغب وربما ارتكاب جرائم عنف.


ثمة أخبار متواترة عن وجود مخططات لمحاصرة البيت الأبيض ومبنى الكونغرس والمحكمة العليا، وأخرى تشير إلى أن بعض المخططات تستهدف اغتيال النواب الديمقراطيين وبعض الجمهوريين ممن لا يوافقون على سلوك الرئيس ترامب. ثمة مغزى واضح للقرار الذي صدر عن «البنتاغون» بنشر خمسة عشر ألف عنصر من الحرس الوطني لتأمين حفل التنصيب، ولكن حتى لو مر ذلك اليوم على نحو طبيعي أو شبه طبيعي، فإن ذلك لا يبدد المخاوف الحقيقية التي تجتاح المجتمع الأميركي والأحداث الصعبة التي تنتظر بعد التنصيب. لقد بدأ القطار الأميركي يسرع نحو انحدار صعب.


الانقسام أصبح واضحاً، ومتبلوراً في المجتمع والمجمع السياسي، فثمة حالة من الاستقطاب الشديد والتوتر بين ما يقرب من نصفي المجتمع الأمر الذي يشير إلى مدى صعوبة، وقدرة الرئيس بايدن على إعادة توحيد المجتمع، وحماية الديمقراطية الأميركية.


المجتمع الأميركي، مدجّج بالأسلحة، وكان ترامب شجع على امتلاك السلاح الفردي، وثمة ميليشيات مسلحة، وأحقاد عنصرية، تشمل بما في ذلك المؤسسات الفيدرالية، ومؤسسات الولايات خصوصاً المؤسسات المسؤولة عن إنفاذ القانون والشرطة كمثال.


إذا كان القانون والدستور، هما الناظمان الأساسيان، اللذان يستهدفان إدماج المواطنين من أصول مختلفة، في مجتمع واحد، فإن رأس الدولة، وهو ترامب هو من يبادر إلى كسر القوانين والتحريض على النظام الديمقراطي، ويتهمه بالفساد.


ما يجري في الولايات المتحدة، ومن غير المرجّح أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات، يرسل إشارات مقلقة جداً للديمقراطيات المشابهة وللزعامات الشعبوية التي تنفست في عهد ترامب، ذلك أنها ليست محصنة من أن تشهد أعمال فوضى، وعنف وتمرد من قبل الفئات الشعبية التي تدوس الأنظمة على كراماتهم، وقيمهم وحيواتهم.
القلق يمتد إلى إسرائيل دولة الاحتلال، التي تشبه تركيبتها الاجتماعية الولايات المتحدة مع زيادة نوعية، وهي حتى دون احتساب الفلسطينيين في الضفة و غزة و القدس ، دولة ثنائية القومية لأن عشرين في المئة من مواطنيها فلسطينيون يتعرضون لكل أنواع التمييز والاضطهاد.


وهي فضلاً عن ذلك تستقدم مهاجرين ليسوا يهوداً، ويشكلون جاليات كبيرة أكبرها من المهاجرين الروس والدول التي انفصلت من الاتحاد السوفياتي.


وثمة اتهام صريح لإسرائيل بالعنصرية من منظمة «بتسيليم» في تقرير نشر، مؤخراً.


ولا يمكن تجاهل المجتمع الاستيطاني، الذي يحظى بدعم الحكومة المركزية لكنه يشكل مجتمعاً آخر، ويفرض قوانين أخرى مع التداخل الشديد واليومي مع أصحاب الأرض.
إسرائيل تعيش أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية، فالمشهد السياسي يتشكل من موزاييك حزبي، والطامعون كثر، والتناقض صارخ ولكن ليس بين يمين ويسار، وإنما بين أطراف اليمين المتطرف.


إلى حد كبير يشبه نتنياهو صديقه الحميم دونالد ترامب، ولذلك فإن أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» يحذر من أن تواجه إسرائيل ظروفا أكثر صعوبة من التي تواجهها الولايات المتحدة، وبأن نتنياهو قد يذهب في سلوكه لحماية مستقبله السياسي إلى ما هو أكثر مما ذهب إليه ترامب، لاحظوا الانتهازية الإسرائيلية، فلقد أزال نتنياهو من حسابه على «تويتر» صورة له مع ترامب، أما السفير الأميركي المستوطن فريدمان فقد نصح إسرائيل بعدم التصادم مع إدارة بايدن. أما الأهم من ذلك فإن إسرائيل تتجه نحو توسيع علاقاتها مع الصين التي تتقدم نحو أن تكون القوة الأولى في العالم، وتقول إنها ستفعل ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، طالما أن هذه الأخيرة لا تزال تتبوأ مركز القوة.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد