مع اقتراب دخول الرئيس المنتخب جو بايدن للبيت الابيض في 20 يناير، تثار تساؤلات عن حالة العلاقات الفلسطينية الامريكية، وهل سيستعيد بايدن العلاقة مع الفلسطينيين؟ وهل لديه خطة لتحريك عملية السلام، ام سيكتفي باستعادة العلاقة؟ وكيف يمكن اعادة ضبط هذه العلاقة؟ وكيف ستكون استراتيجيته تجاه مسار التطبيع؟

سيواجه بايدن معضلة حول كيفية التعامل مع الصفقات الموقعة حديثًا عند توليه منصبه في ظل اولويات السياسة الخارجية التي اعلن عنها والتي تهتم اولاً بترميم الاوضاع الداخلية ورأب الصدع في داخل الولايات المتحدة كأولوية نظراُ لأن السياسة الخارجية تعتمد على الوضع الداخلي وتماسكه. فلا يمكن للولايات المتحدة ان تقود من خلال الليبرالية والعولمة والديمقراطية وسياسات السوق الحرة دون اوضاع داخلية مستقرة. والاولوية الثانية تتمثل في تعزيز وبناء تحالفاتها لتتمكن من العودة لقيادة العالم وذلك بالشراكة مع الغرب حليفها التقليدي. وهذا ما يجعل من استعادة العلاقة مع اوروبا اولوية في السياسة الخارجية باعتبار ذلك هو القاطرة التي تمكنها من مواجهة التحديات الدولية، والقوى الدولية الصاعدة، وتضمن تفوقها كامبراطورية تسود العالم وتحكمه.

تقع اسرائيل الحليف الاهم للولايات المتحدة، والصديق المقرب لبايدن ونائبته في اقليم الشرق الاوسط، وهو ما سيدفع نحو انخراط امريكي في سياسات المنطقة. لذلك من المتوقع ان يستمر بايدن في مسار التطبيع، ولكن المقاربة ستكون مختلفة، فبينما استخدم ترامب الدبلوماسية التحفيزية من خلال عقد صفقات تقدم فيها حوافز للدول العربية مقابل الاعتراف باسرائيل، فان ادارة بايدن لن تستمر بهذه الدبلوماسية التي تتعارض مع مبادئ تعزيز الديمقراطية والعولمة والقيم الليبرالية خاصة عندما تكون الصفقة مع نظام يصنف امريكياً على انه نظام اوتوقراطي. وهذا يعيق فكرة قيادة العالم التي تستند الى نشر القيم الامريكية لتسود العالم، والذي يسهم في ضمان تحول العالم لبيئة صديقة غير معادية للولايات المتحدة تضمن مصالحها وقيادتها، بينما نشر نماذج مخالفة سيعقد مشروع عودتها لقيادة العالم، وهذا من شأنه أن يصعب عقد صفقات على حساب تعزيز الديمقراطية.

مع هذا الانخراط المتوقع وفقاً لعقارب ساعة القيادة الامريكية فان بايدن لن يعتبر حل الصراع العربي الاسرائيلي أولوية عليا، ليس لأنه غير مهتم بانجاز اتفاق سلام ولكن لانه يفهم جيداً صعوبة انجاز اتفاق سياسي في الوقت الذي ينشغل فيه بأولويات أكثر أهمية. ومع ذلك فانه سيكون مهتم باستعادة العلاقات مع الفلسطينيين حتي يستطيع التأثير عليهم، فلا تأثير دون علاقات. ويمكن لادارة بايدن ان تعكس اجراءات ادارة ترامب ضد القضية الفلسطينية. فقد أحدثت ادارة ترامب الكثير من الضرر للعلاقة الفلسطينية الامريكية تمثلت في اعلان القدس عاصمة للاحتلال الاسرائيلي، ونقل السفارة الامريكية للقدس، ووقف المساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين انروا، والمنظمات الغير حكومية، واغلاق مكتب م ت ف في واشنطن، والقنصلية الامريكية في القدس، واطلاق خطتها للسلام المسماة صفقة القرن والتي سعت من خلالها للضغط على الفلسطينيين وفرض الاستسلام عليهم.

لم يرفع الفلسطينيون الراية البيضاء، ورفضوا الصفقة بشقيها السياسي والاقتصادي، ووضعوا بدائلهم بالتحلل من الاتفاقيات، وفرض السيادة الفلسطينية بالتدريج، وأقروا وسائل المواجهة، وبدأوا بجهود لترميم الجبهة الداخلية وتجديد شرعيات المؤسسات وتفعيلها. ولكن يبدو ان هذه البدائل قد دخلت مرحلة من السكون لاعتبارات عديدة أهمها اعطاء فرصة لادارة بايدن لترميم الاضرار التي تسببت بها ادارة سلفه، لذلك قامت السلطة الفلسطينية قامت بخطوات من جانبها في هذا الاتجاه، حيث اعادت السفراء الى الامارات والبحرين، واستأنفت العلاقة مع الاحتلال الاسرائيلي في اطار جهود تهيئة الاجواء السياسية أمام ادارة بايدن حتى تتمكن من البدء في عملية سياسية تفضي لاقامة دولة فلسطينية وليس الى مزيد من جولات الحوار في اطار تكتيك ادارة الصراع.

ستواجه عملية العودة عن هذه الاجراءات قيود تشريعية، فهناك تشريعين تم سنهما عام 2018 تؤثران بشكل كبير على المساعدات الأمريكية للفلسطينيين. الاول هو قانون تايلور فورس والذي يعلق المساعدة الاقتصادية الثنائية الأمريكية للسلطة الفلسطينية إلى أن تتوقف السلطة الفلسطينية عن دفع مخصصات الاسرى والشهداء. والقانون الثاني هو قانون توضيح مكافحة الإرهاب، كوسيلة واضحة لضمان خضوع م ت ف والسلطة الفلسطينية للاختصاص القضائي في المحاكم الأمريكية فيما يتعلق بما تسميه أعمال الإرهاب الفلسطيني السابقة ضد المواطنين الأمريكيين. واستخدم القانون المساعدة الأمريكية للفلسطينيين كوسيلة لتأسيس هذه الولاية القضائية، وهو ما يعيق المساعدات للسلطة بما فيها المساعدات الامنية ويجعل السلطة عرضة للمحاكمة أمام المحاكم الامريكية مجرد تلقيها مساعدات امريكية. وربما يتطلب ذلك فلسطينياً ايجاد مخرج قانوني لموضوع مخصصات الاسرى والشهداء، ويتطلب كذلك خطوات تشريعية من الادارة الامريكية في قانون ايضاح مكافحة الارهاب. وبالنسبة لاعادة فتح مكتب م ت ف في واشنطن والقنصلية فهو مرهون بقرار تنفيذي للرئيس بايدن .

خطوات بناء الثقة المطلوبة من ادارة بايدن تتضمن عكس تجاوزات ادارة ترامب من خلال التنصل من خطة ترامب فيما يتعلق بفرض السيادة على القدس حتى لو لم يقم بنقل السفارة من القدس الى تل ابيب. والتراجع عن شرعنة الاستيطان والضم في الضفة الغربية. والعودة عن تمديد اتفاقيات التعاون الامريكية الاسرائيلية الثنائية في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية المحتلة، والعودة عن سياسة وزارة الخارجية الامريكية الجديدة بوسم منتجات المستوطنات بانها صنعت في اسرائيل. والعودة عن اسقاط استخدام كلمة الاحتلال في تقارير الحكومة، والاشارة للفلسطينيين في القدس الشرقية بهويتهم الوطنية كعرب فلسطينيين.

واتخاذ هذه الخطوات سيعيد ضبط الموقف الامريكي تجاه الفلسطينيين، ويرسل رسائل تشجيعية للفلسطينيين بأن ادارة بايدن ستعمل عل اعادة العلاقة معهم، ومكانية أن تتطور الى جهود لتحقيق السلام. وسيرسل اشارات واضحة بخصوص موقفها من التطبيع، وسيشجع الحكومات العربية التي طبعت لتصحيح مواقفها. ويرسل رسالة للدول التي تنوي التطبيع بوجوب انسجام أي اتفاقيات تطبيع اخرى مع القانون الدولي، ومع مسؤوليات الدولة الثالثة تجاه الارض المحتلة، واتخاذ هذه الخطوات سيكون مفيد لضبط أي عملية تطبيع عربية اخرى في المستقبل لتكون منسجمة مع القانون الدولي والحقوق الفلسطينية.

ومع الاستمرار المتوقع للتطبيع في عهد بايدن لا بد أن يفكر الفلسطينيون في الانتخابات كعملية ديمقراطية تقود للوحدة وانهاء الانقسام، وتجديد المؤسسات وشرعيتها السياسية، وتوحيد البرامج، وتوحيد السياسة الخارجية، وهذا يتماشى مع السياسة الامريكية الجديدة بتعزيز الديمقراطية في العالم. واعادة تأكيد م ت ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. لكن هذا يتطلب مراجعة لموقف حماس واصطفافاتها الاقليمية التي من شأنها اذا ما استمرت على حالها ان تعيق مسار الانتخابات والوحدة في ظل اقليم يجد في بعض هؤلاء الحلفاء خصوماً، وهو ما يجعل الانتخابات والوحدة الوطنية مع استمرار الحال القائم وصفة للعزلة خاصة لو فازت حماس بالانتخابات دون اعادة تموضع تسبق الانتخابات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد