بقلم / أحمد حمودة

تعتقد بعض المؤسسات الإعلامية الفلسطينية بأن المشاهد غبي ولا يحتاج إلى المعرفة والموسيقى أو الثقافة، فغالبا ما تقدم له برامج سياسية رديئة تتغذى على النزاعات والصراعات باستضافة نفس الأشخاص والسّياسيين، وفي كثير من الأحيان تكتفي بالدور التسجيلي عند تقديم الأخبار الرسمية والأنشطة التي تقوم بها الوزارات في سياق يتسم بالفرجوية حولتنا به إلى مشاهدين، مما أدى إلى نوع من الارتباك في مستوى عملية صناعة الأخبار وحتى على مستوى إنتاج البرامج المعرفية، فعديد الفئات الاجتماعية الفلسطينية بتنا لا نراها في الإعلام. 

تخضع الصحافة الفلسطينية كما هو الحال في العالم إلى أخلاقيات العمل الصحفي والتي تتجسد في آليات ومواثيق مثل: ميثاق الإتحاد الدولي للصحفيين، وميثاق نقابة الصحفيين الفلسطينيين لكّن أغلب وسائل الإعلام المحلية تعتمد مواثيق شكلية تزيينية لرفع الحرج بتحسين صورتها باعتبارها مسؤولة أمام الجمهور من ناحية  واستجابة لمواصفات ومتطلبات الحصول على ترخيص المؤسسة الإعلامية من ناحية أخرى.

إذًا، بتنا نلاحظ أن بعض المؤسّسات الإعلامية الفلسطينية تشتغل بنفس آليات التنظيم القديمة ولا نرى أيّ وجود لآليات حقيقيّة للتنظيم الذاتي ولم تخضع  لإصلاح تشريعي أو تنظيمي يمكّنها من بناء مجال عمومي متنوّع يتيح للمواطنين المشاركة به كفاعلين اجتماعيين وسياسيين في إطار نقاش تعدّدي متنوّع. وفي السياق نفسه نلاحظ بأن كل الأحكام القانونية المتعلقة بشفافية المؤسسات الإعلامية غير محترمة وبقيت الكثير من غرف الأخبار عُلبة سوداء لا يعرف الجمهور ماذا يجري بها وعلى أيّ آليات تسير؟ وهذه أعراض لأزمة شاملة وعميقة رغم أن وسائل الإعلام الفلسطينية عاشت تجارب جيدة وفريدة من نوعها في العالم العربي.

فكّرت أمام هذا الكمّ الهائل من التنديدات لماذا لا يعتمد صحفيونا في فلسطين على"صحافة الحلول" solutions journalism من أجل مقاربة جديدة تتخطّى ماهو سلبي وتتجاوز عرض المشكلات نحو الحلول. ولكن سُرعان ما عدت إلى رشدي وتساءلت كيف لصحفيين منشغلين بإيجاد حلول لمشكلة تشغيلهم الهشّ وتسوية وضعياتهم، أو لصحفيين آخرين مشغولين بتحقيق الشهرة السريعة والسبق الصحفي أو لنوع ثالث من الصحفيين منشغل بالتكسّب غير المشروع بالصحافة، ونوع آخر  لا يخجل من إظهار أيديولوجيته ومناصرته لهذا الطرف أو ذاك. كيف يمكن لهؤلاء ولمؤسّساتهم الإعلامية التي تتغذّى من الإثارة والمشاكل ودغدغة عواطف المتلقّي أن ينشغلوا بالبحث عن الحلول والخيارات المتاحة لمعالجة قضايا المجتمع الفلسطيني.

وبعد كل هذه المقاربات يكمن الحل في إصلاح التنظيم القانوني وإصلاح تنظيم المؤسسات الإعلامية وغرف الأخبار وإصلاح آليات التعديل الذاتي الداخلي والقيام بدور الوساطة (الموفق الإعلامي) بين المهنة والجمهور على أساس الصلح والإصلاح، وتفعيل قانون المساءلة لأن البعض من الصحفيين متأثر بقوى أيديولوجية وفي بعض الأحيان لديهم ارتباطات سياسية قد تؤثر سلبًا على خدمة الأداء العمومي لمهنة الصحافة في فلسطين. والنتيجة، حماية المواطنين من الانحرافات التي قد تقوم بها بعض الوسائل الإعلامية مثل تقديم خطابات الكراهية ونشر الأخبار الزائفة والمضلّلة التي تشجع على العنف والتطرّف. لذلك وجبّ تشجيع الإهتمام بالتكوين الأكاديمي داخل كليات الإعلام وتعليم القيم المهنية والجماليّة لصّحافة الجودة، لأن المدرسة التي تعلّم الطالب كيف يحفظ ولا تعلمه كيف يفكر ولا تدربه على التفكير النقدي، هي فاشلة ولا يمكن أن تصنع مواطنين في سياق متاهة التواصل الإجتماعي بالمجال العام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد