نشر الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن مقالاً في مجلة الفورين بوليسي في ابريل من هذا العام تحت عنوان "لماذا يجب على أمريكا أن تقود مرة أخرى، إنقاذ سياسة أميركا الخارجية بعد ترامب"، لخص فيه سياسته الخارجية في منطقة الشرق الاوسط، وحددها في أربعة ملفات مهمة هي: مكافحة الإرهاب، أمن إسرائيل، إيران، والعلاقة مع السعودية. وهذا يعني أن حل القضية الفلسطينية لن يكون ضمن أولويات الرئيس بايدن. وهذا يثير تساؤلاً حول مدى امكانية فرض القضية الفلسطينية على جدول اعمال ادارة بايدن في ظل تطورات الاقليم المحتملة.

ورغم حصر بايدن لسياسته في المنطقة في أربعة ملفات، الا انه ما زال ممكناً وضع فلسطين ضمن أولويات الاجندة الامريكية من خلال بوابتين؛ الاولى هي ملف أمن اسرائيل، ولكن هذا المدخل سيؤدي الى معالجة الملف الفلسطيني بشكل يغلب عليه طابع التسكين والادارة بأقل الأثمان من جانب ادارة بايدن باعتباره مهدداً محتملاً لأمن اسرائيل، وليس قضية حقوق سياسية مستحقة للشعب الفلسطيني وفق القرارات الدولية. ورغم أن بايدن يؤمن بحل الدولتين، الا انه يؤمن به باعتباره بديل عن فرض حلول تدفع نحو حل الدولة الواحدة الذي يمكن ان يهدد هوية اسرائيل وبقائها باعتبارها ابنة وخادمة للمشروع الكولونيالي الغربي.

اما البوابة الثانية فهي بوابة الملف الايراني و ترتيب الاقليم فلا يمكن التعامل مع هذا الملف دون الاصطدام بالقضية الفلسطينية وتحريك الملف الفلسطيني بل وحله خاصة اذا ما تمكن الفلسطينيون من كسر المعادلة القائمة. حيث سيكون بايدن امام خيارين للتعامل مع الملف الايراني، الأول بالعودة للاتفاق بطريقة دبلوماسية، ومحاولة توسيعه ليشمل برنامج الصواريخ الايراني، والتدخلات الاقليمية الايرانية في شئون المنطقة وهو ما يصطدم بإعلان ايران عدم نيتها التفاوض على توسيع بنود الاتفاق، وبواقعة اغتيال العالم النووي الايراني التي عقدت المشهد اذ دفعت البرلمان الايراني لسن تشريع يرفع فيه تخصيب اليورانيوم في محطة فوردو النووية بنسبة 20%. اما الخيار الثاني فيتمثل في تعامل بايدن مع التحالف العربي الاسرائيلي الذي اصبح قائماً، واستخدامه في مواجهة ايران الى جانب زيادة العقوبات الاقتصادية عليها من اجل دفعها للعودة للتفاوض حول بنود اتفاق 2015.

وهذا يعني ان بايدن سيضطر للبقاء في المنطقة وعدم الانسحاب منها حتى لا تختلط الاوراق ويتعقد المشهد الى بدائل لا يمكن عكسها او التعامل مع نتائجها. وأول بديل يمكن ان تنحدر اليه المنطقة حال انسحاب الولايات المتحدة المبكر دون حل الملف الايراني، هو زيادة ايران من وتيرة تخصيب اليورانيوم ليستيقظ العالم خلال عام على قنبلة نووية ايرانية، وهذا يعتبر اخفاق كبير لإدارة بايدن لا يمكن ان تسمح به او تتحمل نتائجه الكارثية التي ستقود حتماً الى سباق تسلح نووي في المنطقة، وخروج المنطقة من دائرة نفوذها. ولا يقل البديل الاخر سوءاً عن الأول حيث يمكن ان تتطور الأمور الى حرب اقليمية واسعة نتيجة رد ايران على استهدافها او استهداف مصالحها من قبل التحالف العربي الاسرائيلي الذي سيسعى لتحقيق اهدافه والحفاظ على مصالحه في المنطقة حال انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، أو تجاهلها لمصالحه في أي اتفاق جديد. وفي هذه الحالة سيسجل بايدن اخفاقاً اخراً وسيضطر للتعامل مع التطورات دون ان تكون لإدارته اليد العليا في الاقليم خاصة مع تعزيز القوى الدولية الصاعدة وتحديداً روسيا والصين لمكانتهما في المنطقة.

لعل ما يهمنا هنا تداعيات البديلين على القضية الفلسطينية، وكيفية وضع القضية الفلسطينية في كلتا الحالتين ضمن اولويات الأجندة الامريكية. ولا يبدو خفياً تداعيات البديلين، فالأول سيؤدي الى دخول المنطقة في صراع اقليمي حاد ستكون فيه اولويات القوى الاقليمية، وخاصة ايران حال امتلاكها للقنبلة النووية، توسيع نفوذها، وكسب شعوب المنطقة الى جانبها. وستحاول أنظمة المنطقة، خاصة المتحالفة مع اسرائيل، ارضاء شعوبها لضمان عدم تحركها ضدها في ظل المواجهة الاقليمية المحتملة من خلال الاستحواذ على البطاقة الفلسطينية وممارسة الضغط على اسرائيل لتقديم حلول تضمن عدم تحرك شعوبها ضدها. فيما ستحاول تركيا وايران السيطرة على البطاقة الفلسطينية لاستمالة شعوب المنطقة كل الى جانبها في معركتها الاقليمية بزعم تحرير فلسطين. وهذا سيفرض على جميع الاطراف التعامل مع الملف الفلسطيني وتقديم المعالجات الملائمة بما في ذلك الادارة الامريكية اذا ما ارادت احتواء التصعيد في المنطقة.

ستكون تداعيات البديل الثاني اكثر سوءاً ، فاذا نجحت خطوات اسرائيل وحلفائها من العرب في استغلال اخر ايام ترامب لتصعيد المواجهة مع ايران وصولاً الى حرب، فان ذلك من شأنه اغراق المنطقة في حرب اقليمية ستتوسع مع زيادة الاطراف المشاركة فيها، وستعيش المنطقة على ايقاع الحرب، ونتائجها، ومحاولات احتوائها لفترة طويلة من عمر ادارة بايدن، مما سيصرف الاهتمام عن القضية الفلسطينية وسيركز الاهتمام على جهود احتواء الصراع. ومع ذلك ستبقى القضية الفلسطينية فتيل الاشتعال الذي سيحرك الشارعين العربي والاسلامي عكس مجريات الصراع خاصة مع استمرار صور القتل والتنكيل من قبل اسرائيل المشاركة في مجريات الصراع ضد الفلسطينيين. وسيصاحب أي تصعيد تحرك واسع للمليشيات وعودة قوية لظهور الجماعات المتطرفة، وستحرك كل القوى الاقليمية ميليشياتها وخاصة ايران صاحبة المليشيات الاوسع انتشاراً لتستهدف عواصم المنطقة، وسيبعث هذا الصعود الاقليمي روحاً جديدة لدى حزب الله والمنظمات الفلسطينية التي قد تدخل في مواجهة مع الاحتلال تجعل من تقديم معالجات للقضية الفلسطينية أمراً مؤجلاً.

مع ذلك قد يكون خيار جميع الأطراف الأقل تكلفة هو زيادة الضغط لتعظيم العوائد من الاتفاق الجديد مع ايران بما يحقق للأطراف مصالحها، او أنصاف مصالحها على قاعدة الرضا الناقص، وهو الاقرب للحدوث نظراً للتكلفة العالية التي ستتركها المواجهة على جميع الأطراف، وخاصة الولايات المتحدة التي ستحتوي أي تصعيد في الاقليم باعتباره احد مناطق نفوذها الهامة نظراً لما يملكه من موارد طاقة، وموقعه الجيوسياسي، ووجود اسرائيل فيه. كما أن ادارة بايدن لن تقبل وضعها امام الاختيار بين دعم التحالف العربي الاسرائيلي القائم مع وجود انظمة فيه يتهمها بالاستبداد والفساد، وهو ما يتعارض مع اجندة تعزيز الديمقراطية التي ستعيد الولايات المتحدة لقيادة العالم من وجهة نظر بايدن؛ أو الظهور ضعيفاً دون أوراق قوة في مواجهة ايران. وهذا قد يكون دافعاً اخرا لاحتواء أي تصعيد من شأنه اعاقة عودة الولايات المتحدة لقيادة العالم.

التعامل مع البدائل أي كانت، وتوظيفها لخدمة القضية الفلسطينية يأتي في اطار الجهد الفلسطيني لإنجاز الحرية والاستقلال. ولكن اخذ زمام المبادرة، وتجاوز أي تطورات مرتقبة للأحداث، وكسر المعادلة القائمة، سيعمل على تاكيد وضع القضية الفلسطينية ضمن الملفات ذات الأولوية بالمعالجة العاجلة من ادارة بايدن ومن العالم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد