قبيل مغادرة الرئيس الامريكي الأسبق باراك أوباما سمح بتمرير قرار في مجلس الأمن ضد الاستيطان، وهو أمر شطبه ترامب باعترافات لصالح اسرائيل غير مسبوقة، وجاءت تصرفاته من البيت الأبيض، وكأنها تأييد لقيام نتنياهو بإهانة أوباما ووزير خارجيته جون كيري، ما جرى في نتائج الانتخابات ليس انحياز للعرب وفلسطين بمقدار ما هو انعكاس لانقسام داخل اللوبي الصهيوني في أمريكا وأفكار أمريكية جديدة حول المصالح والأوليات الأمريكية، والخطير أن الوقت في كل الأوقات يعمل لصالح الاستيطان والتهويد.


بالعودة لأوباما وعتب الديمقراطيين على نتنياهو، فهو موقف من الحزب الديمقراطي لن يتجاوز المصلحة العليا لإسرائيل والحرص على إبقاء آبار النفط وريعها بيد أمريكا، كما جرى حين خشيت أمريكا من دخول اسرائيل على خط الحرب في العراق وتأثير ذلك على التحالف العربي ضد صدام.


الآن يعود الى البيت الأبيض نائب أوباما يحمل من الماضي ما يلزم التحولات العالمية الكبرى الجارية والمنتظرة، دون أن يمس ثوابت الادارات الامريكية المتعاقبة وفي مقدمتها أمن اسرائيل، لكن القادم الجديد لسدة الحكم لن يجد ما يرغمه على حلول جذرية لأسباب متعددة منها السيولة التي تعيشها المنطقة العربية، ورغبة اسرائيل في استمرار الجمود من أجل تحول مخططاتها إلى واقع، وكذلك هشاشة الوضع الفلسطيني وانشغال الاقليم كل بلد بهمومه أمام تردي الاقتصاد وزيادة الأعباء على الدول وتنامي أعداد السكان.


اعتمادا على ما سبق، أقصى سيقدمه الفلسطينيون لبايدن هو القول بأن فتح وحما،،س جاهزون لسلام على اساس حل الدولتين لإقناع فريق بايدن الجديد بأهمية القبول بمصالحة فلسطينية تشرعن حركة حما،،س داخل النظام السياسي كأساس لاستئناف المفاوضات، حينها ستستدعي اسرائيل الفلسطينيين لحلبة العنف والمواجهة لتقول لا سلام مع هؤلاء المتصالحين لإبادة اسرائيل.


وفي حال لم تشعل اسرائيل نار الحرب للتملص من المفاوضات التي لن تكون الا بسقف زمني ومرجعية دولية، كشرط فلسطيني يتفهمه الأوربيون والروس والصينيون، فهذه الفرضية ضارة بدولة لا تريد سوى الوقت لفرض وقائع يهودا والسامرة.


المناخ الايجابي في البيت الأبيض والهدوء الأردني بعد زوال غُمة ترامب، سيدفع قادة البيت الأبيض لابتزاز القيادة الفلسطينية، فالتراجع عن كل خطوة أقدم عليها ترامب سيكون بمقابل فلسطيني، فتصبح اسرائيل أكثر استفادة من المنشار الأمريكي ذهابا وايابا.


أي حلول ممكنة تأكل من اللحم الحي الفلسطيني وتشرعن الوقائع الاسرائيلية الخطيرة، لذلك الخسائر الفلسطينية من حكم جو بايدن هي:


أولا: وضع المصالحة الداخلية على المحك واختبار حما،،س على طاولة شروط الرباعية الدولية، وفي أحسن الاحوال سيتم قبول حما،،س ضمن نظام فلسطيني يتلقى عروض دون الحل الادنى.


ثانيا: ستعتمد الادارة الأمريكية الجديدة تفكيك قرارات ترامب ما عدا نقل السفارة لكن بثمن فلسطيني من اجل استئناف عملية التسوية وإرضاء مخاوف اسرائيل.


ثالثا: اعادة حل الدولتين للتداول فيما يدرك الجميع أن نتنياهو وحلفاءه أفرغوا هذا الحل من محتواه، أو على الأقل منع ولادته إلا ككيان مشوه عبرت عنه خطة " صفقة القرن ".


رابعا: سيدخل الفريق الأمريكي الجديد للبيت الأبيض محملا بالتداعيات الصحية والاقتصادية لازمة كورونا ، وسيكون التركيز على تنامي القوى الأسيوية وستبقى الصين خطر اقتصادي يبتز التجارة الأمريكية، بمعنى أن الملف الفلسطيني سيبقى تحت المسكنات والحلول الانسانية، وفي حال اتخاذ قرارات ستفرض دون نقاش كبير.


خامسا: ملفات الشرق الأوسط كثيرة من سوريا الى ليبيا واليمن والغاز المكتشف في البحر المتوسط والنشاط الروسي والتحركات التركية جميعها قضايا ساخنة فيما الملف الفلسطيني فقد حرارته، والفلسطينيون غير قادرين على تسخينه سلمياً، ويدركون أن تأجيج الصراع سيكون لصالح تل أبيب.


سادسا: سيرى جزء فاعل من العرب أن شرعنة حما،،س في النظام السياسي الفلسطيني بمثابة اعادة الدم في عروق الاخوان المسلمين وقبول بالتدخلات التركية والقطرية والايرانية، وهذا مزعج للأنظمة التقليدية في المنطقة.


سابعا: لم ينجز الديمقراطيون حلا شاملا رغم محاولاتهم الفاشلة السابقة، خاصة في عهد بيل كلينتون لأنهم يفهون الصراع بشكل مختلف ينتمي للرواية الاسرائيلية.


طبعا.. عهد ترامب ليس أفضل.. لكننا ندرك بحكم التجربة الممتدة ان حزبي الفيل والحمار في أمريكا، يشكلون كيان يتشابه ويتماهى في تأسيسه العنصري مع دولة الاحتلال، كما أن الأوراق الفلسطينية ضعيفة، وقدرة اسرائيل على العبث والمماطلة كبيرة جدا.


كل ما سبق يعني أن المطلوب منا تقديم ما لا نملك من أجل وعود باتفاق جديد لا توجد له ضمانات ولا تحميه مظلة صلبة أمام التفسيرات الاسرائيلية والمخاوف الأمنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد