شباب من غزة : حلم الهجرة تحطم على صخرة كورونا
شباب قطاع غزة الذي تضيء أكبر أحلامهم بالسفر الهجرة إلى تركيا والدول الأوروبية هرباً من الواقع الموجود، ظهر لهم فيروس كورونا فجأة وكأنه الصخرة التي تحطمت عليها طموحاتهم، ليجعلهم يعودوا إلى قطاع غزة، عقب إنسداد أفق الأمل بالدول التي كانوا فيها نتيجة هذا الفيروس.
حيث قضى سامر حبيب (27 عامًا) شهرين كاملين متنقلاً بين شقق يقيم فيها شبان فلسطينيون من أجل المبيت فيها بعد أن سُرح من عمله في أحد المصانع في مدينة إسطنبول التركية، دون وجود مأوى ودخل له.
وانتهى كابوس البقاء بلا عمل بالعودة إلى نقطة بداية حلمه بالهجرة والعودة لقطاع غزة بسبب جائحة فيروس كورونا وعدم وجود أي فرصة عمل أخرى.
وأشار حبيب إلى أن الكثير من الفلسطينيين والسوريين المقيمين بتركيا سرحوا من أعمالهم بسبب أزمة كورونا، لكن حال السوريين أفضل من الفلسطينيين من غزة، إذ يقيمون مع أسرهم داخل المدن التركية، بينما النسبة الأكبر من الغزيين (نسبة إلى غزة) يقيمون داخل شقق مشتركة، يتقاسمون ثمن إيجارها مع آخرين، لكن الأزمة كانت شديدة عليهم وأجبرت نسبة كبيرة منهم العودة إلى غزة. وفق Deutsche Welle
وعاد حبيب عاد إلى غزة في 12 أغسطس/آب هذا العام، ويشعر بضيق نفسي في الوقت الحالي؛ لأنه لم يحقق طموحه في العمل وبناء حياة جديدة في تركيا، فبعد أن غادر غزة في يوليو/ تموز 2018 حاول الهجرة الى دول أوروبية، وكان يطمح في الوصول إلى ألمانيا أو بلجيكا؛ لكنه نجا في اللحظة الأخيرة من شباك عملية نصب لأحد المهربين الأتراك.
وبدت موجهة الهجرة والهروب من الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة في قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، لكن زادت نسبة المهاجرين من الشباب بعد انتظام فتح معبر رفح قبل مسيرات العودة في قطاع غزة التي بدأت في 30 مارس/ آذار 2018، في الذكرى 42 ل يوم الأرض الفلسطيني.
ولا توجد إحصاءات دقيقة للذين هاجروا من قطاع غزة لغاية اللحظة، لكن في منتصف مايو/ أيار العام الماضي نشرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" تقريرا تلفزيونيا حول الشبان الفلسطينيين الذين هاجروا من قطاع غزة، والذين تجاوز عددهم وفقا للتقديرات الإسرائيلية الـ40 ألفاً، حتى منتصف عام 2018، و20 ألفاً وفق تقديرات الأمم المتحدة. بينما يشير مختصون حقوقيين من غزة إلى أن أعدادهم فاقت 70 ألف شاب منذ عام 2014 حتى بداية 2020.
ويقيم حبيب حاليا داخل منزل العائلة في حي الشجاعية بمدينة غزة ويقول "كثير من فلسطيني غزة ظروفهم صعبة في تركيا، سرحوا من أعمالهم التي هي بالأساس تمنحهم راتبا لا يكفي إلا مصاريفهم فقط، للأسف قست علينا الظروف بعد جائحة كورونا، كثيرون منا قضوا ليالي في الشوارع ثم عادوا إلى غزة حتى لا يموتوا جوعا، لكن للأسف لو تحسنت الظروف مع الوباء وقضي عليه فسنعاود الهجرة من جديد".
تعتبر تركيا بالنسبة للكثير من الشبان في قطاع غزة محطة مهمة للبحث عن فرصة عمل أو القيام بهجرة غير شرعية من خلال أراضيها، بالنظر إلى أنها تقدم تسهيلات الحصول على اقامة سياحية لهم لمدة عام، لكن على إثرها يحاول بعضهم العمل بشكل غير قانوني وآخرون يحاولون البحث عن طريقة للهجرة عبر الحدود اليونانية، كما سيتحدث سعيد عوض، الذي عاد هو الآخر لغزة، في نفس اليوم الذي عاد فيه حبيب.
ويبلغ عوض 36 عاما، قضى منها 10 سنوات يعمل عاملا وستة أخرى عاطلا عن العمل في غزة، ووصل لتركيا في بداية أبريل/ نيسان 2019، فعمل في الكهرباء المنزلية لمدة عام فقط، لكن انتهى الحال بحبيب إلى التنقل للمبيت بين الشقق، بعد أن قست ظروف الجائحة عليه وعلى كثيرين وسرح من عمله ولم يستطع إيجاد بديل؛ حتى في فترات فك الحظر، إلى أن عاد لغزة محبطًا.
يقول عوض عن تجربته "لقد انتهى الكابوس، تركيا بلد جميل لكن ليست مزدهرة ولا يوجد فيها مقومات لاستقبال المهاجرين، الكل يبحث عن أيدي عاملة من المهاجرين لأنها رخيصة، وتختلف عن الدول الأوروبية التي تقدم برامج للاجئين من أجل تشجيع انخراطهم في المجتمع وتأهيلهم، فكرت بالهجرة غير الشرعية لكن شعرت أنها عملية نصب وقد تكلف حياتي".
والشاب أحمد المصري 25 ( عاما) كانت حاجته للهجرة للهجرة تختلف عن الجميع، فهو جريح منذ أكثر من عامين، وأصيب من قبل الجيش الاسرائيلي بطلق ناري متفجر بساقه اليمنى أثناء مشاركته في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة في 30 مارس/آذار 2018، وسببت له تهتكا في العظام وقطعا بالأوتار، وقضى معاناة مع رحلة العلاج وقلة الإمكانيات الطبية والحياتية في قطاع غزة التي دفعته للبحث عن الهجرة.
كان يتطلع للسفر لتركيا، ومن هناك إلى إحدى الدول الأوروبية، واضطر في منتصف ديسمبر/ كانون الأول إلى السفر لمصر لاستكمال علاجه ثم الهجرة لكنه قضى أكثر من عام في مصر، حتى عاد إلى غزة دون أي جدوى مع محاولات السفر بسبب ظروف الوباء.
يقول المصري "كنت أنوي تغيير حياتي، عملت الكثير المهن في غزة لكن بالنهاية أصبحنا كلنا عاطلين عن العمل. أريد السفر والبحث عن عمل أو الهجرة لأوروبا، حُجِزت في مصر، لم يبقَ معي مصاريف فيها، حتى أنني اضطررت للاستدانة للعودة لقطاع غزة، الوباء كان قاسيا على الغزيين في البحث عن وطن جديد".
أما الشاب محمود غانم (30 عاما) فقد عاد إلى غزة في 29 من سبتمبر/ أيلول هذا العام وهو حزين، رفقة عشرات الغزيين ممن سرحوا من أعمالهم في الإمارات، إذ سرح من عمله داخل إحدى الشركات في مدينة دبي الإماراتية في نهاية مايو/ أيار هذا العام، وقد سرح معه أيضا العشرات من العاملين الفلسطينيين ومن جنسيات أخرى مثل السوريين واللبنانيين والفلبينيين والهنود.
ووصل غانم دبي في أول أيام هذا العام، بعدما قضى أكثر من سبع سنوات منذ تخرجه يبحث عن وظيفة في غزة، وهو حاصل على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة الأزهر بغزة، وتعرض غانم لخسارة كبيرة، عبارة عن محل بقالة بالقرب من منزله. ومثل الكثيرين كان ينوي السفر لتركيا، لكنه صرف النظر عن ذلك لأن الكثير من الغزيين فشلوا في تأمين حياتهم فيها.
ورغم إحباطه الكبير بعد فشل الاستقرار داخل الإمارات، إلا أنه ينوي تكرار التجربة والبحث عن سبل العودة والسفر أو الهجرة، باعتبار أن التجربة في الهجرة لأي بلد خارج قطاع غزة أفضل من المكوث في مجتمع يفتقر لجميع مقومات الحياة.
وختم غانم حديثه بغضب "أعمل لأكون نفسي، فشباب غزة ضائع فيها بين الهجرة والتنظيمات السياسية التي دمرتنا، فأنا للأسف نموذج للشباب الذين تقدموا لشغل عشرات الوظائف دون جدوى، وعندما عدت لغزة عدت لنقطة الصفر، أما هناك في الإمارات حياة كريمة وراحة بال ولا يوجد انقطاع كهرباء، إنها تختلف عن غزة، حيث عدت لنفس مشاكل الكهرباء والمياه والسياسة والقصف وغيرها".