أطراف دولية كثيرة تريد ذهاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأنه خلق الكثير من الأزمات ليس فقط مع خصوم الولايات المتحدة التقليديين، بل أيضاً مع حلفائها في "الناتو" وفي الاتحاد الأوروبي. وهذا ينطبق على موقفه من المنظمات والاتفاقات الدولية التي انسحبت إدارته من قسم منها وقاطعتها وأوقفت تمويلها. وربما يكون الفلسطينيون من أكثر الجهات رغبة في رحيل ترامب. فالضرر الذي ألحقه الأخير بالقضية الفلسطينية لم يفعله أحد قبله منذ عدوان العام 1967. فقد اعترف ب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، وأوقف دعم أميركا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة "أونروا"، وجلب لنا خطته المشؤومة المسماة " صفقة القرن "، وألغى مرجعيات العملية السياسية المتفق عليها دولياً، وأغلق مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن، وقطع الدعم المالي عن السلطة الفلسطينية باستثناء الأمن، وضغط على الدول العربية لتوقف تمويل السلطة وجر بعضها إلى التطبيع مع إسرائيل من دون مقابل.
وربما يكون الطرف الثاني الأكثر رغبة في سقوط ترامب هو إيران التي تعاني من إلغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات صارمة وشاملة ضدها. وبطبيعة الحال هناك دول كثيرة لديها نفس الرغبة. وهذا ينطبق بصورة عامة على الصين المتضررة من سياسة ترامب الاقتصادية و فتح الحرب التجارية معها، ولكنها في المقابل تستفيد من تراجع دور أميركا وتعزز قوتها الاقتصادية كمنافس رئيس للقوة الاقتصادية الأميركية ويتوسع انتشارها العسكري وتتعاظم قوتها بشكل كبير. وتركيا هي الأخرى لديها مصلحة في نجاح الديمقراطيين الذي يميلون لدمج "الإخوان المسلمين" الذين ترعاهم تركيا وتقدم الدعم لهم. مع أنها هي الأخرى تحاول استغلال الانسحاب الأميركي لتعزز نفوذها في سورية وشرق البحر المتوسط وليبيا ومناطق أخرى وأخيراً في أذربيجان وصراعها مع أرمينيا حول ناغورني قره باغ المتنازع عليه بين الدولتين والذي يشهد حرباً ضروساً هذه الأيام.
وفي المقابل، هناك دول وأطراف عديدة تريد بقاءه وتخشى من ذهابه، وأولها إسرائيل التي حققت في عهده إنجازات مهمة بعد أن نكل بالفلسطينيين وبفرص حل الدولتين وتشجيعه وشرعنته للاستيطان والضم، وفرض الأمر الواقع الاحتلالي والتطبيع مع بعض الدول العربية، وكذلك إلغاء الاتفاق النووي مع إيران الذي كان مطلباً إسرائيلياً بالأساس. وهذا ينسجم تماماً مع سياسة اليمين الإسرائيلي المتطرف. وفشل ترامب في الانتخابات القادمة يعني فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن الذي سيزيح خطة ترامب عن الطاولة، ويعارض الضم الإسرائيلي أحادي الجانب، وسيرجع الدعم الأميركي للمنظمات الدولية، خاصة " الأونروا "، وللسلطة الفلسطينية وعلى الأغلب سيفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن من جديد، باختصار سيعيد الاعتبار لمبدأ حل الدولتين. كما سترجع الولايات المتحدة للعمل بالاتفاق النووي مع إيران.
وعدا إسرائيل هناك دول عربية لا تريد سقوط ترامب بسبب رغبة بايدن في استرجاع الاتفاق النووي مع إيران وبسبب موقف الديمقراطيين من ضرورة إشراك حركة "الإخوان المسلمين" بالحكم في الدول العربية، وأيضاً بسبب تمسك الحزب الديمقراطي بفتح ملف حقوق الإنسان في العالم العربي. وسيكون من الصعب على بعض الأنظمة العودة للتعامل مع الإدارة الديمقراطية بعد تعميق التحالف مع إدارة ترامب والاتفاق معها حول العديد من القضايا والملفات، طبعاً بعد أن دفعت الثمن.
روسيا هي الأخرى تريد بقاء ترامب لعدة أسباب، منها أنه قاد إلى تراجع دور الولايات المتحدة على المستوى الدولي باعتبارها القوة المهيمنة الوحيدة وباتجاه عالم متعدد الأقطاب بدأ يتبلور في سنوات حكم ترامب، واستمرار الأخير لأربع سنوات إضافية سيعمق هذا التحول، وسيقود إلى تعزيز دور روسيا التي بدأت في ملء الفراغ الناجم عن انسحاب أميركا، باعتبارها قوة دولية منافسة أثبتت حضورها في الشرق الأوسط بعد التدخل العسكري في سورية، وتستغل غياب الولايات المتحدة لتعلب أدواراً مفصلية في ليبيا وإقليم ناغورني قره باغ. هذا عدا دورها الاقتصادي، خاصة في مجال النفط وبيع السلاح. ويبدو أن الرئيس الروسي بوتين يستطيع التعامل مع ترامب واستغلال وجوده أكثر من أي رئيس أميركي يذهب نحو الإضرار بمصالح الولايات المتحدة.
لكن في المحصلة النهائية يعتبر سقوط ترامب في الانتخابات القادمة بعد عشرين يوماً مصلحة أكبر من كونه ضرراً للبشرية. مع أن هناك من يعتقد أن وجوده قد يؤدي إلى ضعف كبير للولايات المتحدة واستقرار للنظام الدولي على المدى البعيد، ووضع حد نهائي للهيمنة الأميركية والتفرد في التحكم بعديد من الملفات الكونية بما فيها ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وهذه نبوءات لها ما يصدقها ولكنها قد تحدث سريعاً، وقد تأخذ وقتاً طويلاً تتحقق خلاله أضرار لا يمكن إصلاحها. ويبدو أن تراجع ترامب مقابل بايدن قد يؤدي إلى فشله في الحصول على ولاية ثانية، حسب كل استطلاعات الرأي التي أجريت في الفترة الأخيرة، وهذا ربما يقود لتمرد جماعة ترامب وحصول فوضى يرفض في إطارها ترامب التخلي عن السلطة، ما قد ينتهي بحدوث اضطرابات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية