منذ بدء موجة التطبيع الخليجية مع إسرائيل، وتوقيع اتفاقية سلام من قبل دولة الإمارات العربية ودولة البحرين مع إسرائيل تحت رعاية البيت الأبيض في واشنطن خلال شهر سبتمبر من العام 2020، اشتعل غضب القيادة الفلسطينية، وبدء معظم القادة الفلسطينيين يستنكرون بشدة هذا التطبيع الخليجي مع إسرائيل، لأنهم اعتبروا أنه بتطبيع دول الخليج العلاقات مع إسرائيل، قبل إنهاء إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية، قد يكون ذلك بمثابة تخلي خليجي عن القضية الفلسطينية، وخروج عن مبادئ المبادرة العربية للسلام.
ومع مراقبتي لردود فعل القادة الفلسطينيين و قادة الفصائل الفلسطينية و الحملة الإعلامية التي شنتها بعض وسائل الإعلام الفلسطينية الحزبية لاستنكار التطبيع الخليجي مع إسرائيل ، وجدت أنه هناك انفعال كبير في رد الفعل الفلسطيني على المستوى القيادي ، مما حصر ذلك السلطة الفلسطينية في زاوية ضيقة ، و جعل عدد كبير من الدول العربية تشعر بالغضب و الاستفزاز ، فظهر الأمير السعودي بندر بن سلطان عبر شاشة فضائية العربية ليتهم الفلسطينيين بالجحود ونكران الجميل ، الأمر الذي يستدعي بشكل عاجل و جدي أن تقوم القيادة الفلسطينية بعملية ضبط نفس لتصريحات السياسيين الفلسطينيين و التعامل بدبلوماسية محنكة في طريقة التعبير عن الغضب ضد التطبيع العربي و الاستنكار بشكل موضوعي لموجة الانتقادات العربية أو الخليجية اللاذعة تجاه القادة الفلسطينيين التاريخيين.
فيجب علينا كفلسطينيين ألا نتعامل بعاطفية ومشاعر هائجة عند الدفاع عن قضيتنا العادلة، أو الرد على أية انتقادات عربية لسياستنا الداخلية، بل يجب علينا أن نكون عقلاء وألا نحرق كل سفن العودة إلى هذه الدول الخليجية ، التي ربما سياستها ومصالحها القومية و الأمنية و الدولية و الاقتصادية لا تتوافق حالياً مع ظروف قضيتنا الفلسطينية.
علينا كفلسطينيين أن نتحمل مسؤولية قضيتنا ، و أن نعتمد على أنفسنا في تحرير وطنا من الاحتلال الإسرائيلي لذا من يقدم لنا المساعدة و الدعم لنشكره بشدة ، و من يعتذر و ينسحب عن دعم قضيتنا ، نشكره أيضا و لترافقه السلامة بهدوء ، و ليس أن نقوم بتحميل الجميل للعالم كله، كوننا شعب يخضع للاحتلال و يحتاج دائما إلي دعم الآخرين ، فكيف سنبني دولة فلسطينية حرة و مستقلة، ونحن قرارنا السياسي و المالي غير مستقلا ، و نطالب دوما الآخرين سواء كانوا عرب أم غربيين بدعمنا ، بل نُلح عليهم للاستمرار بتمويل مشاريعنا و كأن القضية الفلسطينية هي طفل رضيع يحتاج لرعاية العالم كله باستمرار.
أعتقد أنه علينا أن نراجع أوراقنا التاريخية مرة أخرى، و علاقتنا مع الدول العربية، التي قدمت كثير من الأموال و الدعم المعنوي لشعبنا، فالتاريخ لا ينسى موقف الملك السعودي الراحل فيصل الذي فرض حظرا على شحنات من النفط الخام إلى الولايات المتحدة وهولندا خلال شهر أكتوبر من العام 1973 ، لكي يُجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية و العربية المحتلة خلال عام 1967 ، و لأنه أراد حينذاك معاقبة هولندا بسبب تزويدها لإسرائيل بالأسلحة وسماحها للأميركيين باستخدام المطارات الهولندية لإمداد ودعم إسرائيل.
لا أحد يستطيع أن يُنكر أيضاً ، موقف الإمارات العربية في دعم وتمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين - الاونروا ، فلولا الدعم الإماراتي لتوقفت الاونروا عن تقديم خدماتها لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين و لبنان وسوريا ، و لا أحد يستطيع أن ينكر أيضا دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية و دعمها للمصالحة الفلسطينية و التهدئة في قطاع غزة و موقف الملك الأردني عبدالله ضد الضم الإسرائيلي لمستوطنات الضفة الغربية ، لا ننسى مواقف الكثير من الدول العربية التي وقفت بجانبنا و لها مواقف تاريخية لدعم قضيتنا الفلسطينية ماديا و معنويا.
نعم، ربما معظم الفلسطينيين غاضبين من التطبيع الخليجي – الإسرائيلي، لكن هذا الغضب يجب أن لا يجرنا للوقوع في فخ القطيعة العربية و يفقدنا كشعب فلسطيني أخلاقنا وذوقنا و لغتنا الراقية في الانتقاد و رد الفعل و التعبير عن الرأي المختلف ، علينا أن نحترم الجميع سواء كانوا يتماشون مع سياستنا الوطنية أم لا، و في حال قررت بعض الدول النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية أو اتخاذ قرارات سياسية داخلية بعيدا عن تأثير القضية الفلسطينية ، علينا أن نحترم تلك القرارات أو ننتقدها بلغة راقية وموضوعية و أن لا نتدخل بالشؤون الداخلية للدول ، لذا اتفق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، عندما أعلن رفضه المساس بأي من الرموز السيادية لأي من الدول العربية الشقيقة، بما فيها الامارات العربية المتحدة.
و تجدر الإشارة، أننا قد قبلنا سابقا كفلسطينيين توقيع اتفاقية أوسلو للسلام مع الإسرائيليين و احترمنا سابقا قرار كل من مصر و الأردن لتوقيعهما اتفاقية سلام مع إسرائيل، لذلك علينا أيضا كفلسطينيين أن نحترم إرادة الدول العربية الأخرى في اتخاذها قرارات مماثلة دون التجريح في حكامها أو شعوبها ، حتى لو كانت تلك القرارات لا تتوافق مع نهجنا السياسي، فعلينا أن نثق بأنفسنا أكثر ، بأن الشعب الفلسطيني يستطيع أن يدافع عن قضيته سواء كان ذلك بدعم عربي أم لا ، فقضيتنا أكبر من أن تتأثر بمجرد توقيع بضعة اتفاقيات سلام عربية مع إسرائيل.
إن أخطر شيء يُهدد قضيتنا الفلسطينية ، ليس مجرد التطبيع العربي ، بل هو الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي أصبح العرب يعايرونا به ، إنه فعلاً الخطر الحقيقي على القضية ، وهو خطر للأسف نابع منا كفلسطينيين و ليس خطر خارجيا قادما من مجرد اتفاقيات سلام ، فنحن للأسف نقضي على قضيتنا بأيدنا بسبب نزاعتنا الداخلية و بسبب انهاك المواطن الفلسطيني من البطالة و الفقر و الفساد و الحروب المتتالية ، حيث فقد المواطن الفلسطيني مقومات الصمود التي تُعتبر عناصر أساسية لاستمرار نضاله من أجل تحرير أراضينا المحتلة و التخلص من براثن الاحتلال الإسرائيلي.
لذا لنتصالح مع الدول الخليجية قبل فوات الأوان، وقبل أن نخسرهم جميعا، ويجب علينا كقادة وشعب ألا نحرق جميع جسورنا مع العرب، وألا نبصق في مياه البئر الذي شربنا منه، لأننا قد نشرب من هذا البئر مرة أخرى!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية