الفلسطينيون وقضيتهم يعيشون اخفاقات كبيرة، وتراجع على المستوى الداخلي والخارجي، سواء باستمرار الانقسام والفشل في إدارة الشأن العام الفلسطيني، والتغيرات الدراماتيكية في تغيير طبيعة الحركة الوطنية الفلسطينية، وقيادة منظمة التحرير التي لم تميز نفسها على أنها حركة تحرر وطني، وصدقت أنها قد تتحول إلى دولة تحت الإحتلال، وأسست لنظام سياسي قمعي، لم يحترم حقوق الإنسان وشعب يسعى للحرية، ولم تستطع تلبية الحد الأدنى من صمود الشعب الفلسطيني وليس رفاهية.
وإنعكس ذلك في البعد الخارجي خاصة العمق العربي، وحالة التيه تلك، بدأت من الفشل في مسار حياة القيادة مفاوضات حتى آخر نفس، وما يعيشه الفلسطينيون نتيجة ذلك، وإخفاق المقاومة في قطاع غزة على تحقيق أهدافها في ظل عداء عربي واضح، وعدم البحث والاتفاق على وسائل نضالية يتفق عليها الفلسطينينن، وعدم قدرتهم على التعامل مع البعد العربي بحساسيته والمتغيرات التي مست النظام العربي وتوجهاته.
وتجلى فشل الفلسطينيين في عدم تقديراتهم للأوضاع العربية، ومؤشرات التغيير والانقسام العربي ساطعة كسطوع الشمس، وبحث الأنظمة العربية عن مصالحها الخاصة على حساب دول عربية وإقليمية قد تكون أقرب إليها من إسرائيل، والعلاقات السرية والعلنية التي تشكلت أمامنا مع إسرائيل وباتت واضحة منذ سنوات وحتى قبل أوسلو.
وعلى الرغم من سيطرة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو وسطوته على المشهد السياسي الإسرائيلي، ظلت القيادة الفلسطينية متمسكة بخيار المفاوضات، ورؤيه سياسة عدمية، ولم يتخلى نتنياهو عن توجهاته التي شكلت شبه إجماع صهيوني بعدم منح الفلسطينيين حقوقهم وتحقيق أهدافهم السياسية، واستمرار نتانياهو في إتباع سياسة إدارة الصراع ومحاولات فرض ما يسمى السلام الاقتصادي الذي يعني استمرار الحكم الذاتي بدون الإعتراف بأي حقوق للفلسطينيين.
وبناء عليه كان من المفترض أن لا تفاجأ القيادة الفلسطينية بتوقيع إتفاق التحالف والتطبيع الإماراتي الإسرائيلي، البحريني لاحقا، ربما لم تدرك القيادة والفصائل وفي مقدمتها حركة حماس تلك المتغيرات التي مست ولا تزال القضية الفلسطينية، وسياسة المحاور التي باتت الحالة الفلسطينية جزء منها، وعدم التقيد بمقولة استقلال القرار الفلسطيني، الذي ارتبط بطريقة أو بأخرى بالتنقل بين الدول والتقرب من بعضها ومخاصمة الأخرى
هذا وغيره عزز من تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتقدمت المصالح العربية على مصلحة القضية، وحلها أصبح شأناً داخليا فلسطينيا، حتى من دول كبيرة مصر والسعودية وبالنسبة للدول العربية التي وقعت اتفاق التحالف الإمارات والبحرين ومباركة السعودية، هذا إن لم تكن هي المحرك الأساس لما يجري، حتى مصر لم تعد تهتم، وترك الفلسطينيون وحدهم في مواجهة مصيرهم.
في مقابلة أجرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” أمس الجمعة مع رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية (أمان) درور شالوم وخصص في المقابلة حديثه عن الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة وتوجهات إسرائيل في التعامل معهما وهي توجهات أمنية تخدم المصالح الاسرائيلية، فمن ناحية الضفة الغربية، قال درور أنه على الرغم من توقيع إسرائيل اتفاقيتي تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، أن “القضية الفلسطينية موضوعة هنا أمامنا كقنبلة موقوتة، وهذا ليس شيئا سيحدث صباح غد، لكن التفكك يقصد (السلطة) هناك محتمل في اليوم الذي يلي أبو مازن، ويحظر تجاهل هذا الأمر. فهذا تحدٍ اقتصادي، مدني وقدرة على الحكم هناك، وتقوية السلطة الفلسطينية هي مصلحة أمنية – إسرائيلية، وهذه ليست مقولة سياسية”. وحذر درور من خطر انهيار السلطة الفلسطينية، وما أسماه بأنه “إنذار إستراتيجي”، وأن “الجيل الشاب في الضفة الغربية يبحث عن طريقه، بوجود كورونا والضائقة الاقتصادية التي تعيشها السلطة، هناك ثلاثة أمور الآن تحافظ على الهدوء النسبي: وجود الجيش الإسرائيلي، الوضع الاقتصادي ما زال معقولا، والتنسيق الأمني.
وعن حركة حماس التي تحكم في قطاع غزة اعتبر شالوم أنه “أحضرنا حماس إلى نقطة حضيض، وهذا صائب في إستراتيجية طويلة الأمد بدون حرب، وإذا احتللنا غزة، فمن سيحكم هناك؟ نحن؟ يريحني إبقاء غزة هكذا
لأنني أريد أن أركز على إيران، وحماس موجودة عند مفترق تغيير تاريخي، وما زالت منظمة إرهابية بارزة، لكنها حركة وطنية – فلسطينية أيضا. وهم ينصتون للجمهور، وعلينا أن نحافظ هناك على مساعدات اقتصادية – إنسانية تحت سقف المطالبة بإعادة الأسرى والمفقودين”. وأضاف “أريد أن أرفع رأسهم فوق خط مياه الصرف الصحي، وأن أحافظ هناك على نسيج حياة معقول، ويبقى جيدا أقل مما هو في (يهودا والسامرة)، كي لا يفكروا في (يهودا والسامرة) أن طريق حماس نجحت، وتعاظم القوة في غزة مستمر، حاليا، وكذلك الضائقة الاقتصادية، والمنظمات “المتمردة” والجهاد الإسلامي هي تحدٍ كبير جدا أيضاً، والوقت يداهمنا، وينبغي أن نعمل أكثر”.
وفي في ما يتعلق بالوضع العربي قال درور “أنه يحظر الاعتقاد أن العالم العربي يتجاهل القضية الفلسطينية فجأة، فالقضية الفلسطينية هي القاسم المشترك الأدنى للعالم العربي كله، وفي نهاية الأمر، جرى التوقيع على اتفاقيتي التطبيع لأن الضم تأجل، والشرق الأوسط اليوم مشرد، عاطل عن العمل ويفقد الأمل، لا توجد طبقة وسطى ولا مكانة المرأة، وهذا (وضع) ينفجر بين حين وآخر، والتعاون معنا هو قشرة دقيقة، وتغلي تحتها كراهية تجاهنا”.
هذه هي رؤية وتوجهات إسرائيل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وللشعوب العربية، وتدرك إسرائيل أن صمود الفلسطينيين وبقائهم على أرضهم هو الخطر والتحدي المركزي الذي يواجهها حتى في ظل الانقسام والتفتت الداخلي، وحالة شبه الانهيار والفشل الذي يعاني منه ما يسمى النظام السياسي الفلسطيني.
لم يتضح لنا بعد حقيقة موقف القيادة الفلسطينية من قرارها بالتحلل من الاتفاقيات مع اسرائيل في ظل تقارير إسرائيلية عن استمرار التنسيق الأمني بطرق ووسائل مختلفة، ولم تبذل جهود حقيقية للبحث عن خيارات لوقف الهدر الوطني، لكن على ما يبدو أن قيادة الشعب الفلسطيني لم تدرك خطورة الأوضاع الفلسطينية وقضيتهم، والتوجهات الإسرائيلية في كيفية التعامل مع قضيتهم، والخطط والسياسات التي تتخذها لتفتيت الفلسطينيين وزيادة غربتهم في ما تبقى من وطن.
الوضع الفلسطيني لا يزال مرتبك ومخيف يبعث على التشاؤم، وفي ظل هذه الأوضاع، هناك ما يبعث على الأمل المنطلق من قوة الفلسطينيين وعدالة وأخلاقية القضية الفلسطينية، وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وطاقة وحيوية الفلسطيين، وايمانهم بالبحث عن خيارات لإعادة الاعتبار إلى حركتهم الوطنية ومشروعهم الوطني.
والأمل لا يزال قائم بالشعوب العربية برغم الحال البائس الذي تعيشه، إلا أنها لم تتخلى عن القضية الفلسطينية وعدالتها والموقف من إسرائيل التي تدرك أن الشعوب العربية لا تزال تكرهها ولم تتخلى عن القضية الفلسطينية، وهذا يتطلب من الفلسطينيين عدم اليأس والبحث عن خيارات مضاعفة لتعزيز الارتباط بالبعد العربي، واستعادة الثقة بالدعم العربي للقضية الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية