في توزيع أدوار واضح أطلق كونسيرت أمريكي اسرائيلي عربي تصريحات متطابقة تستهدف فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني عبر دفعه لقبول صفقة القرن الامريكية، والتخلي عن الحد الادنى الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 و القدس عاصمة لها. ولكن المدخل هذه المرة كان من خلال مهاجمة القيادة الفلسطينية كونها ترفض تطبيق صفقة القرن، وتهاجم التطبيع بشكل مستمر ما يعيق الذهاب بعيداً في توسيع التحالف العربي الاسرائيلي الامريكي ويضع أنظمة التطبيع في حالة انكشاف امام الشعوب العربية الرافضة لأي علاقة مع الاحتلال في ظل استمرار احتلال الاراضي العربية.

توالت التصريحات وتكاملت في استهداف القيادة الفلسطينية في سياق الجهد الامريكي الاسرائيلي العربي لفرض قيادة بديلة على الشعب الفلسطيني تقبل بصفقة القرن كمرجعية جديدة لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتقبل بالسيادة الاسرائيلية على القدس والاغوار والمستوطنات، مقابل حكم ذاتي محدود. وبدأت الاطراف هجومها منسقاً عندما رفضت القيادة الفلسطينية خطة كوشنر التصفوية المعروفة باسم صفقة القرن، فأعلن كوشنر قبل أيام من توقيع اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين أن الشعب الفلسطيني رهين قيادة سيئة جداً. وانضم السفير الأمريكي في دولة الاحتلال ديفيد فريدمان للجوقة عندما قال ان قيادة الشعب الفلسطيني لا تخدمه كما ينبغي. ثم تبعه بعد ذلك بعدة أيام تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي قال "إن الفلسطينيين بحاجة إلى اختيار قيادة ترغب في إجراء حوار من أجل السلام.

لم يتوقف سيل التصريحات ولكن هذه المرة تم نقل المهمة للطرف العربي مع انشغال اركان الادارة الامريكية بالانتخابات الرئاسية القادمة، فخصصت قناة العربية موجة مفتوحة للأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة لي فتح النار على القيادة الفلسطينية. والملاحظ ان تصريحاته تتطابق الى حد كبير مع تصريحات المسؤولين الامريكيين، حيث ركز هجومه على نقطتين الاولى ان القيادة الفلسطينية أتقنت تضييع الفرص لحل للقضية الفلسطينية، والثانية ان القيادة الفلسطينية فاشلة في الدفاع عن قضية عادلة.

بمقارنة التصريحات يتضح ان كوشنير اول من اشار الى ان القيادة الحالية سيئة لأنها تضيع فرصة الحل برفضها صفقة القرن، وهو ما عبر عنه فريدمان عندما قال انها تقف في الجانب الخاطئ من التاريخ، ثم ما اكده تصريج بومبيو بالحاجة لقيادة تحاور على اساس السلام والمقصود هنا سلام كوشنر وصفقته، ثم اخيرا تصريح بندر بأن القيادة الفلسطينية فاشلة واضاعت فرص كثيرة. وأراد بندر بتصريحه القول ان الفرصة الحالية "صفقة القرن" جيدة وعلى الفلسطينيين اقتناصها وعدم اهدارها مثل سابقاتها، وهو ما ظهر من خلال مهاجمته للقيادة الفلسطينية لإدانتها للتطبيع الاماراتي البحريني على اساس مرجعية صفقة القرن.

لسان حال بندر يقول ان القيادة الفلسطينية سيئة لأنها لا تقبل الحل الذي يقبله معسكر التطبيع، ما يحرج هذا المعسكر أمام شعوبه ويظهره متساوقاً مع الاحتلال، ومفرطاً بحقوق الشعب الفلسطيني، ولإزالة هذا الحرج على القيادة الفلسطينية ان تختار ما بين الاستسلام او تغييرها. ونسي بندر ان القيادة الفلسطينية لم تفوت فرصة مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، ولكن الاحتلال هو الذي نسف المرجعيات لما وجده من ضعف عربي بنيوي، وصراعات تحكم العلاقات العربية، من صراع عربي عربي كما في حالة العلاقة مع عراق صدام حسين، الى عربي ايراني مع نظام الآيات، ثم عربي تركي مع تركيا اردوغان، على حساب الصراع الاصيل معه.

ونظراً لتبخر أي أمل في أن تتراجع القيادة الفلسطينية عن رفضها لصفقة القرن، فان مهاجمتها ومهاجمة سياساتها من وجهة نظر بندر ومعسكر التطبيع، ضرورية لتحقيق أكثر من هدف، أولها، تمهيد الرأي العام الخليجي والعربي لتقبل تطبيع دول خليجية أخرى دون انتظار حل القضية الفلسطينية لأن الفلسطينيين، على حد زعمه، يتقنون اضاعة الفرص ومنها فرصة صفقة القرن الحالية. وثانيها، خطوة دفاعية امام الهجوم الفلسطيني على أنظمة التطبيع، والذي يضع هذه الانظمة في حالة انكشاف أمام شعوبها لموافقتها على التطبيع مع استمرار احتلال الاراضي الفلسطينية والعربية وعلى رأسها مدينة القدس. لذلك من الضروري مهاجمة الفلسطينيين لكي وعي الجماهير العربية، وهز ايمانها بالقضية الفلسطينية وفك ارتباطها بها، وتحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية استمرار مأساته واعفاء الاحتلال الصهيوني، "الشريك الجديد للعرب" من أي مسؤولية. وثالثها، خطوة هجومية لتهيئة الشارع الخليجي والعربي لأي اجراءات مستقبلية ينخرط فيها معسكر التطبيع العربي تستهدف فرض قيادة بديلة على الشعب الفلسطيني.

ليس خفياً البديل الذي يريد الثلاثي الامريكي الاسرائيلي العربي فرضه لقيادة الشعب الفلسطيني، ويعود الفضل في كشف السر المعروف الى فريدمان الذي قال ان الولايات المتحدة تفكر في تعيين دحلان زعيماً للفلسطينيين، ثم عاد وتراجع، ومن الطبيعي ان يتراجع فريدمان لأن في ذلك الحاقاً للأذى بصورة مرشحهم، ولو لم يتراجع لفهم التصريح على انه للاستهلاك والابتزاز، ولكن التراجع أضفى مصداقية على ما ينشر حول نوايا الثلاثي تنصيب مستشار بن زايد الامني رئيساً للشعب الفلسطيني مكافأة له على جهوده في انجاز التطبيع الذي يستند على صفقة القرن التصفوية كمرجعية للحل. وتغدق الامارات بالمال على مرشح الثلاثي لتعزيز نفوذه الشعبي في غزة والضفة بانتظار تطورات المشهد السياسي الفلسطيني.

يخدم خيار القيادة البديلة المطروح حالياً رؤية الاحتلال والادارة الامريكية في تمرير حكم ذاتي فلسطيني محدود مع مكافئات اقتصادية محدودة تحت سيطرة الاحتلال، وتحييد كل الأطراف الرافضة في الضفة وغزة لصفقة القرن، وسيسمى زوراً حل الدولتين. ويخدم دول التطبيع العربي في رفع الحرج عنها أمام الشعوب العربية الرافضة للتطبيع مع استمرار احتلال الاراضي العربية، مما يسهم في تسريع بناء المحور العربي الاسرائيلي الامريكي ليكون اداة في مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة بما يتفق مع رؤية الولايات المتحدة ومصالحها، وليس العرب ومصالحهم. ثم في تنفيذ استراتيجية اخضاع الاقليم للهيمنة الامريكية بالشروط التي تضمن امن وتفوق اسرائيل. وفي المقابل ستحظى أنظمة التطبيع على الشرعية من أجل البقاء في ظل الادارات الجمهورية، والدفاع عنها من الملاحقة في ظل الادارات الديمقراطية، والتي بشرت بها تهديدات بايدن بإعادة دراسة علاقة الولايات المتحدة مع بعض الانظمة في المنطقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد