ناهيكَ عن سيلِ الأحداثِ والمتغيراتِ التي تشهدُها السّاحة الفلسطينية والإقليمية والدوليّة، و التي تُمهدُ لِرسمِ ملامحَ جديدةٍ للمنطقةِ تنفيذاً لمشروعِ "الشرقِ الأوسطِ الجديد" الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن الحالي. كما تدخُل في صلبِ مشروعِ "اليمين المتطرف" داخلَ إسرائيل القائم على شطب عملية السلام وفق مرجعية أوسلو، وفرضِ أمرٍ واقعٍ لا يأخُذُ بالحسبان الحدّ الأدنى من الحقوقَ التاريخيّة للشعب الفلسطيني كــــــــ "حقه في تقريرِ مصيره و إقامة دولتِهِ المستقلّةِ وعاصمتها القدس المحتلة".

و لعلَّ ما يؤكد هذا الطرح، الخطة التي اقترحها الرئيس الأمريكي "ترامب" للسلامِ في الشرقِ الأوسطِ المعروفةِ اعلامياً بــــــــــ " صفقة القرن "، والتي أشرَفَ على اعدادها وصياغتها مجموعةٌ من الأشخاصِ المقربينَ من الرئيسِ الأمريكيِّ ترامب، على رأسهم صهره "جاريد كوشنير" و"جيسون غرينبلات" المبعوث الأمريكي السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط و"ديفيد فريدمان" سفير أمريكا لدى دولة الاحتلال، والمفارقة أن ثلاثتُهم من أتباعِ الديانةِ اليهوديةِّ، ويصنفهم الخبراء والمختصّين بأنهم محسوبين على الحركة الصهيونية الانجيلية.

والتي تم الاعلان عنها رسمياً في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية "واشنطن" مطلع العام الحالي، بحضور كلِّ من الرئيسِ الأمريكيّ ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتياهو، مُعلنين بذلك عن خُطتّهم العنصرية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من وجهة نظرهم، متجاهلين بذلك الحقوقَ التاريخية للشعب الفلسطيني التي أكدت عليها كل المرجعيّاتِ الدّوليّة ذات العلاقة، والمعبّرة عن إرادة المنتظم الدولي في إحلال السلام الدائم والشامل في المنطقة.

ويتضح من بنود خطة ترامب بأنها ترجمةٌ حرفيةٌ لأفكارِ "نتنياهو" وفريقِه حول موضوع السلام مع أصحاب الأرض الحصريين "الفلسطينيين"، لا تهدف لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإحلال السلام كما يدعون، بل تنسِفُ عميلةَ السلامِ برمّتِها وتضعُها في غياهب النسيان، كما أنها لا تأخذ بالحسبانِ طبيعةَ الصراعِ ولا تستندُ إلى المرجعياتِ الدّولية ذات الشأن، وتعكسُ سلوك الراعي الأمريكي المتغطرِس وتبرهِن عن نواياه الحقيقيةَّ تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

هذا التوجه الذي صار عليه الرئيس ترامب منذ اليوم الأول لتوليه كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، ويتضح ذلك جلياً عقب القرارات التي اتخذها هذا الأخير لتنفيذ ذلك على أرض الواقع كــ "القرار المتعلق باعتبار القدسِ عاصمةً لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية للقدس وطرد السفير الفلسطيني في واشنطن وإغلاق مكتب البعثة الفلسطينية ووقف المساعدات الأمريكية المقدمة لوكالة غوث اللاجئين الأونروا " وغيرها من الإجراءاتِ التي تعكِسُ انحيازَ أمريكا المُطلق لصالحِ إسرائيل، ِتؤكّدَ الطرحَ الذي يقولُ بأن إسرائيلَ هي الولايةُ الواحدةَ والخمسين من الولايات المتحدة.

ومن جانب أخر، تكمن خطورة هذه الصفقة أنها تأتي في ضوء مشاريعَ إعادةِ تقسيمِ المنطقةِ تحت مُسمى "الشرق الأوسط الجديد"، وكما أن توقيت الإعلان عنها قبل موعد الانتخابات الامريكية بفترة قصيرة، يصب في مصلحة الرئيس "ترامب" في معركته الانتخابية مع منافسه الديمقراطي "جو بايدن".

بحيث يعمل ترامب جاهدا لنيل رضى "اللوبي الصهيوني المهمين" على مراكز صناعة القرار فى النظام السياسي الأمريكي، وذلك من أجل استمالة أصوات الناخبين الامريكيين لحسم معركة الانتخابات الامريكية التي ستجرى مطلع نوفمبر 2020، سيّما بعد ترجيح نتائج استطلاعات الرأي صعود خصمه في السباق الرئاسي "جو بايدن" بفارق كبير.

تقتضي الإشارة، إلى أن الفلسطينيين رفضوا هذه النظرة العوراء جملة وتفصيلا لأنها تتجاوز حقوقهم التاريخية ولا تلبي أدنى طموحاتهم، على إثر ذلك خرجت مظاهراتٌ واحتجاجاتٌ ضخمةٌ في قطاعِ غزّة والضفة الغربية، وبعضِ العواصِم العربيّةِ والعالمية رفضاً لرؤية ترامب للسلام "صفقة القرن" التي تُؤسس للعنفِ وجرِّ المِنطقةِ إلى أتون الفوضى والعنف.

بناءً على ما سبق، يتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن محاولات دولة الاحتلال الاسرائيلي وحليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة الامريكية لكسر إرادة الشعب الفلسطيني لن تتوقف عند هذا الحد، بل سوف تستمر أكثر وأكثر على النحو الذي يؤثر على تردئ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية من أصله، ويزيد من الضغط على المواطن الفلسطيني المقهور، ويفاقِم من معاناته المستمرة منذ أكثر من قرن من الزمان، واهمين بذلك بأنهم يستطيعون فرض سياسة الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني العظيم "الاستسلام" وليس السلام كما يدعون.

ولمواجهةِ الأخطار التي تعصِفُ بِنا وتُهدّدُ حقوقنا التاريخية الغير قابلة للتصرف، وتضع مستقبل الأجيال القادمة على حافّةِ الهاوية، ونظرا لأنّنا نواجِهُ عدواً شرسًا يُجيدُ العزفَ على وترِ التّناقُضاتِ القائمةِ في نِظامِنا يتعين علينا القيام في هذه المرحلة الخطِرة من حياتنا بما يلي:

1- تحمُّلِ المسؤوليّةِ الأخلاقِيّة والوطنِيّة، وتغليب مصلحة الوطن على جميع المصالح الحزبية والمناطقة والشخصية التي أرهقت الجسد الفلسطيني.

2- العملُ الفوري على إنهاء "نكبَة الانقسام الأسود" وإزالة أسبابه بإرادةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ، ومعالجةِ آثارِه الكارثية بحكمةٍ وحسٍّ وطنيٍّ عالٍ.

3- إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل كل مكونات الشعب الفلسطيني وإعادة الاعتبار لهياكلها المختلفة لتكون مظلة للكل الفلسطيني، وصياغةُ برنامجٍ وطنيٍ شاملٍ يحظى بإجماع الكلٍّ الفلسطيني ويأخذ بعين الاعتبار المستجدات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية.

4- تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مهمتها الإعداد للانتخاباتِ الرئاسية والتشريعيّة لِـقطع الطريق أمامَ المتربصين بمشروعنا الوطني.

5-استخلاص الدروس والعِبر من المحطّاتِ النضالية والمفصليّة التي مرت بها قضيّتُنا الوطنيَة، و ضرورة وإعادة النظر في سُبلِ و وسائلِ النضال ، و بلورتِها بما يلائـم خصوصية المرحلة.

6- دراسة الموقف الفلسطيني والعربي بعنايةٍ فائقةٍ، وتقييم المتغيراتِ الدُّولية جيدًا، ثم تحديد الخيارات وبناء المواقف والتحالفات وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

7- تعزيز مفاهيم التضامن والتكاتُف بين عموم الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، واتخاذ مجموعةٍ من الخطوات العاجلة لتحسينِ حياةِ الناسِ، ودعمِ صمودِهم في مواجهة خُططِ الضّمِ وصفقة القرن وغيرها.

8- توظيف كل الوسائل المتاحة لـمواجهة الحملات الاعلامية الضخمة الموجهة للنيل من صورة الفلسطيني أمام الرأي العام العربي والعالمي والقفز على تضحياته ومعاناته على مر العصور.

9- الرهان على الشعب الفلسطيني وعلى أصدقائه الحقيقيين من أحرار العالم، وإعادة الاعتبار لقواه الحيه ورجالاته المؤثرين من أجل إعادة القضية الفلسطينية لمسارها الطبيعي، ومواجهة الطبخات والمؤامرات التي تحاك ضدنا وتهدد مصيرنا المشترك.

و أخيراً ، تبقى إرادة شعبنا الفلسطيني العظيم وصموده ووحدة موقفه في مواجهة أعتى المؤامرات التي تستهدف مشروعنا الوطني ومصيرنا المشترك، السياج الواقي الذي يحميه من جُلِّ الطبخاتِ والمؤامراتِ التي تُحاكُ ضِدّهُ، وتُبدِّدَ أحلامَ المتطرفين الجدد "ترامب-نتنياهو" الاستعمارية المتعلقةِ بــبسطِ سيطرتِهم على خيراتِ أغنى منطقةٍ بالعالم، "منطقة الشرق الأوسط" والاستفادة منها دونَ وجهِ حقٍ، وحرمان أبناءها من أدنى حقوقِهم الطَّبيعية.

ختامًا، يتضح لنا أن مآل عملية السلام المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة "الموت الإكلينيكي"، تحديدا في ظل اختلال موازين القوى بشكل واضِح، وميلِهِ بشده لصالح إسرائيل التي تحظى بدعم مطلق من حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة الامريكية القوة العظمى المهيمنة على قيادة العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكـن يبقى التساؤل هل سيكون لجائحة كورونا رأي آخر بعد أن كشفت عن عمق الأزمة التي تعاني منها أمريكا؟ وهل ستتمكن الصين من إزاحة أمريكا من موقعها وتزاحمها على ريادة العالم مستقبلاً بما يساهم في إعادة التوازن للنظام الدولي بالشكل الذي يخدم الأمن والسلم الدوليين؟ وهل إعادة التوازن للنظام الدولي كفيل لإحياء عميلة السلام وإصلاح الخراب الذي خلفته سياسات المتطرفين في المنطقة...دعونا نرى... !!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد