في ثمانينات القرن الماضي شهد الإسلام السياسي امتداداً على مستوى المنطقة العربية متأثراً بمجموعة من التحولات أهمها الثورة الإيرانية التي تطلع فيها آية الله الخميني إلى مد التأثير الشيعي تحت عناوين الثورة.
وفي فلسطين، وفي الانتفاضة الأولى أعلنت حركة حماس عن انطلاقتها رغم الحراك الواضح للإسلام السياسي في قطاع غزة بشكل خاص في بدايات سبعينات القرن الماضي، صعود الإسلام السياسي جاء على أساس فشل النظام السياسي العربي في تحقيق طموحات الجماهير، ومنها إيجاد حل للقضية الفلسطينية مع اندحار فكرة التحرير الكامل .. وأبرز مثال على استخدام القضية الفلسطينية هو «القاعدة»، التي في كل المقابلات والتسجيلات لقادتها وعلى رأسهم أسامة بن لادن .. كانت فلسطين حاضرةً دائماً في الخطاب، دون أن توضح «القاعدة» كيفية تحقيق التحرير مثلاً وهي تقاتل في أفغانستان والباكستان ثم خلق مناطق صراع في الجزيرة العربية واليمن .. ومحاولات الاحتواء إلى شمال المغرب العربي والقارة الإفريقية.
ولكن المواطن العربي أيضاً وفي فترة ما تأثر بأُطروحات الحركات الإسلامية على اعتبار أنها المنقذ لكافة مشاكله وعلى رأسها التعقيدات الاقتصادية، ولهذا السبب فإن الحركات السلفية وجدت الأرض الخصبة دائماً في مناطق الفقر والتهميش وخاصة في مصر في ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي وانشقاق مجموعات متعددة كل منها تحمل فكراً مختلفاً عن سابقاتها .. ولكن بمزيد من التطرف .. ومن هنا جاءت جماعات التكفير التي تعتبر أن كل المجتمع العربي هو مجتمع كافر باستثناء أولئك الذين يعتقدون بأفكارها.
وما زلنا نذكر الشعار الذي رُفع دائماً، وكان جذاباً ضارباً بشكل قوي على العواطف «الإسلام هو الحل» ولاحظنا أن الشعار رُفع في كل أشكال الانتخابات النقابية في فلسطين، وفي مصر وفي اليمن وحتى في الجزائر قبل اندلاع الحرب مع الإسلام السياسي.
المثير للاهتمام أن الحركات التي تتبنى الاسلام السياسي منهجاً .. تميل إلى مزيد من التطرف والإيغال في القتل والغرق في حمامات من الدماء.
والملاحظ أيضاً أن معظم الحركات المتطرفة جاءت من رحم المذهب السني، وربما كانت فراخاً مهجنة وتحمل جينات مختلفة لجماعة الإخوان المسلمين.
ومع اندلاع الثورات العربية او الحراك العربي .. فُتح المجال واسعاً أمام الإسلام السياسي لتسيُّد المشهد، وللولوج بقوة نحو السيطرة وتشكيل نظام سياسي جديد في المنطقة، ولكن سرعان ما تبين أن جمالية الشعار شيء والواقع المعاش شيء آخر. ففي مصر مثلاً لم تنجح حركة الإخوان المسلمين التي سيطرت على مقاليد الحكم وتفردت بكل شيء في إيجاد حلول واقعية لمشاكل المصريين وعلى رأسها تحسين الوضع الاقتصادي الذي مثّل أساسَ الثورات، أو حتى لمنح مزيد من الحريات الاجتماعية او الثقافية .. للناس .. بل ازداد المشهد تعقيداً، وتدهور الوضع الاقتصادي، وثبت أن الشعار ليس له وجودٌ على أرض الواقع، وبهذا جاءت الثورة الثانية رفضاً لهذا المنهج، وتحولت جماعة الإخوان المسلمين الى جماعة إرهابية بعد أقل من سنة من سيطرتها على الحكم في أكبر دولة عربية، لكن ردة الفعل جاءت على شكل استيلاد مجموعات إرهابية متطرفة تضرب في سيناء ومحافظات أُخرى من أجل التخريب.
أما تنظيم «داعش» الإرهابي فقد فرّخ مثل السرطان بشكل فجائي في العراق، واحتل مناطق واسعة خلال أيام واستولى على معدات عسكرية ثقيلة وكميات ضخمة من الأموال .. على شكل مؤامرة مدعومة من أطراف خارجية .. هدفها الأول مواصلة تفتيت المنطقة، وتعميق جذور الإرهاب الدموي فيها .. إلا أن هذا التنظيم الظلامي ومع مواصلة جرائمه، ساعد في إعادة تفكير كثير من الناس والتنبه لخطورة الإسلام السياسي وحركات التكفير والتدمير والإرهاب، وبدا كأن هناك صحوة ارتدادية تنذر بالإرهاب «الداعشي» وكل إرهاب على شاكلته.
ولعل هذا يؤكد أن تنظيم داعش الإرهابي والهمجي قد دق مسماراً أخيراً في نعش الإسلام السياسي.
علماً بأن هذا التنظيم المأجور منذ تشكيل خلاياه السرطانية لم يذكر فلسطين حتى بالاسم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية