كان انعقاد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، الذي ضمّ فصائل منظمة التحرير وحركتَي « حماس » و»الجهاد الإسلامي»، حدثاً بالغ الأهمية، مع أنه متأخر كثيراً في ظل الظروف القاهرة والخطيرة التي يواجهها شعبنا وقضيتنا الوطنية منذ فترة. وقد كان هذا الاجتماع مطلباً لحركة «حماس» وشرطاً من شروطها للمصالحة وتمكين الحكومة في قطاع غزة . صحيح أن المطلب كان عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت، ولكن ما حصل هو في نفس الإطار. وكان لازماً أن يعقد هذا الاجتماع منذ فترة طويلة حتى لو كان لكشف حقيقة مواقف كافة الأطراف من موضوع الوحدة الوطنية.
المسألتان الأهم في مخرجات الاجتماع، الذي تم عقده تحت عنوان مواجهة خطة الضم والمشروع الأميركي وعملية التطبيع العربي - الإسرائيلي، هما بناء الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير وتوحيد شقَّي الوطن، وصياغة خطة وبرنامج لمواجهة شعبية واسعة مع المشروع الإسرائيلي. وقد جرى تشكيل لجان لوضع الخطط الكفيلة بتحقيق هاتين المسألتين. ومن المفروض أن تكون الخطط جاهزة في غضون خمسة أسابيع من تاريخ عقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل، أي بعد ثلاثة أسابيع كحد أقصى. وهذا لا يعني أن مسألة مواجهة المشروع الإسرائيلي - الأميركي إقليمياً ودولياً ليست مهمة، ولكن ترتيب الوضع الفلسطيني هو الأولوية القصوى والذي تنطلق منه عملية التأثير في الإطارَين الإقليمي والدولي.
اجتماع الفصائل أكد أن الهيئة القيادية الفلسطينية المجتمعة غير مؤهلة لإدارة معركة جدية وهي بحاجة إلى إعادة بناء، فبعض الفصائل تحوّل أمناؤها العامون إلى شخصيات محنطة غير قادرة على التفكير الإبداعي ولا حتى على مواكبة التطورات التي تحصل من حولنا، هذا عدا عدم قدرة جسدية عند عدد لا بأس به منهم. فهناك من كان يجد صعوبة في القراءة أو في النطق الصحيح. بالإضافة إلى الخطاب السياسي الذي لا يتناسب مع المرحلة وهذا هو الأهم. مثل الدعوة للتخلي عن برنامج المنظمة والذهاب نحو حل الدولة الواحدة، أو تحريك جالياتنا في الدول العربية للضغط على الأنظمة لمنع التطبيع، وغير ذلك من الأمور العدمية غير المفيدة بل والمضرة.
في الواقع أضحت الفصائل الفلسطينية جميعها على محك الاختبار، بعدما فقد الشعب إيمانه بها وبقدرتها على قيادته نحو الحرية والاستقلال. ويبدو أن الناس الآن ينتظرون معجزة يمكن أن تغيّر نظرتهم لهذه القيادات وتعيد لهم الأمل في عودة العجلة النضالية إلى مسارها الصحيح. واللجنة المشكلة لمعالجة موضوع الوحدة الوطنية، وإصلاح وضع منظمة التحرير وتطويرها، مطالبة بالإسراع في وضع خطة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون أولى مهامها التحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة في أقرب وقت ممكن، وأن تبدأ عملها بتوحيد مؤسسات السلطة في غزة والضفة. ونحن هنا لا نحتاج لوضع عقبات أو شروط في سبيل الوحدة، فلم يعد الحال يحتمل أن تتناكف الفصائل على الحصص والموظفين والمسلحين وغير ذلك، وهي كلها مطالب حزبية وليست وطنية، بل هناك حاجة للتوافق على كل شيء في إطار منظور وطني شامل وليس المحاصصة.
وبخصوص المنظمة تشكل الانتخابات أهم رافعة لتطوير وإعادة هيكلة وإصلاح هذا الجسم الوطني التمثيلي الأهم حتى تحقيق الدولة المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967. والاتفاقات السابقة حول تركيبة المنظمة صالحة للبناء عليها وكل ما تحتاجه هو التطبيق بدءاً من تنظيم الانتخابات. حتى مسألة الانتخاب في القدس الشرقية من المفروض ألا تخضع لرغبة الاحتلال، وهناك طرق عديدة لإجراء الانتخابات رغماً عن سلطات الاحتلال، مثل الاقتراع الإلكتروني الذي يعتمد الآن في الولايات المتحدة. وهو يتجاوز الحدود ويتيح لأكبر عدد ممكن من المقدسيين المشاركة في الانتخابات دون خشية من تعرّض السلطات الإسرائيلية لهم.
ولن تكون أي صيغة لا تمنح الشعب حرية الاختيار مقبولة ومقنعة له، وأي قيادة لا يشارك في اختيارها سيكون من الصعب عليه أن يمنحها ثقته حتى لو توافقت الفصائل الرئيسة عليها. وهذا أمر محق وفي غاية الأهمية إذا كنا نريد التأسيس لمرحلة من الكفاح الشعبي واسع النطاق. فإذا أردنا مشاركة الشعب في الكفاح، علينا أن نمنحه حقه في المشاركة باختيار من يقوده في هذا الكفاح. ولم تعد الشرعيات السابقة كافية لإقناع الناس، خاصة بعد تأسيس السلطة التي تحولت إلى سلطتين، وحدوث شرخ بين المواطنين والقيادات السلطوية، وفقدان الفصائل لدورها القيادي.
إذاً نحن أمام عملية متسلسلة ومترابطة تبدأ ببناء الثقة مع الجماهير وتحقيق المشاركة الشعبية قبل الشراكة السياسية بين الفصائل التي قد تتفق بمعزل عن الناس. والمحك العملي هو المقياس لسلوك الجميع. وعلى الرغم من التفاؤل النسبي بحدوث شيء ما إيجابي في الفترة المقبلة، سيكون اختبار الفصائل والقوى المختلفة مرتبطاً بمدى قدرتها على إنجاز وحدة وطنية حقيقية ومقنعة. وإذا فشلت هذه المرة التي هي مختلفة تماماً عن سابقاتها، ستسقط الفصائل سقوطاً مدوياً لا رجعة فيه، وستفقد بشكل كبير وربما نهائي ثقة المواطنين واحترامهم، وفي نفس الوقت ستفقد قدرتها على القيادة والتحكم بمقود الحركة الجماهيرية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد