يستطيع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ، أن يسجل لنفسه إنجازاً سياسياً ودبلوماسياً بإحداث اختراق في الجدار العربي من خلال الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي. وفي هذا السياق بالغت وسائل الإعلام الإسرائيلية في وصف وصول الطائرة الإسرائيلية إلى مطار دبي، الإثنين الماضي، للمرة الأولى في طيران مباشر بين تل أبيب ودبي مروراً فوق السعودية، واعتبار ذلك بالحدث التاريخي الذي يغيّر وجه المنطقة. وقد كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، أن نتنياهو قد زار الإمارات سراً قبل عامين بصحبة رئيس «الموساد» يوسي كوهين، والتقى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد. وقد تكون هذه الزيارة تمت بوصول طائرة إسرائيلية مباشرة إلى دبي. ولكن الفرق بين هذه وتلك هو الوصول العلني المغطى بصورة مباشرة من وسائل الإعلام.
نتنياهو أصر في كل أحاديثه عن التطبيع مع الإمارات على التذكير بأن قوة إسرائيل هي التي جلبت التطبيع بصيغة «سلام مقابل سلام»، وأنه لم تعد صيغة «الأرض مقابل السلام» قائمة، وأنه لا أحد ينتظر الفلسطينيين. وهو بذلك يصرح بانتصاره على النظام العربي وعلى قرارات الجامعة العربية وكأنه يعلن وفاة المبادرة العربية للسلام. ويراهن نتنياهو على استمرار عملية التطبيع مع دول أخرى مثل عُمان والسودان.
والدرس الأهم من عملية التطبيع هذه، والتي تحشد الولايات المتحدة لمراسيم التوقيع والاحتفال الرسمي بين الإمارات وإسرائيل في البيت الأبيض، في أيلول القادم، أكبر عدد ممكن من القادة العرب، هو أن الدول العربية تتحلل من الالتزام تجاه القضية الفلسطينية فعلياً دون إعلان رسمي، على الرغم من أن أحاديث الزعماء تؤكد عكس ذلك. وهذا ما تريده إسرائيل التي لم تعد ملتزمة بأي اتفاق معها وبأي قرار أو قانون أو عرف دولي، ولسان حالها يقول: لا توجد مرجعيات لأي عملية سياسية غير القوة. ومع الاحتكام للقوة لا يوجد للفلسطينيين أي أمل في انسحاب إسرائيلي أو الحصول على الاستقلال ودولة خاصة بهم تكون ذات سيادة وقابلة للحياة، ناهيكم عن إزاحة مسألتَي القدس الشرقية واللاجئين عن طاولة المباحثات حسب الصيغة الأميركية المتضمنة في خطة ترامب. ونتنياهو يشعر بغبطة شديدة لأنه ليس مضطراً لتقديم أي شيء مقابل العلاقات مع العرب ولا مقابل المشروع الأميركي، حتى لو تم تأجيل الضم إلى حين. فاليمين الإسرائيلي في الواقع يرى أن المشروع الاستيطاني مستمر ولا شيء يمكنه أن يوقفه، فلماذا يتم تحديد مناطق للضم وحدود مع الفلسطينيين يمكن أن تصبح حدوداً لدولة فلسطينية فيما لو تراجع الفلسطينيون عن موقفهم الرافض لصفقة ترامب.
والتطبيع مطلوب للرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لعلّه يستفيد في توظيف الحدث لأغراض إعادة انتخابه في شهر تشرين الثاني القادم، وهو سيبذل كل جهد ممكن لتعزيز العملية بانضمام دول أخرى ليظهر أمام الرأي العام الأميركي وكأن خطته يجري تطبيقها والسلام يحل في منطقة الشرق الأوسط. مع أن هذا قد لا يخدمه إذا ما بقي منافسه الديمقراطي جو بايدن متقدماً عليه في استطلاعات الرأي العام، التي قد تتحول إلى حقيقة انتخابية يفقد فيها ترامب السلطة ويفقد الجمهوريون الأغلبية في مجلسَي النواب والشيوخ.
أما نحن فنحصد خسارة قاسية بتنكر بعض الدول العربية لمواقفها وقراراتها السابقة دون مقابل. فالإسرائيليون عينهم على الأموال العربية والأسواق العربية وحتى التعاون الأمني المستقبلي مع قسم من الدول العربية، فهو بالتأكيد سيحيّدها بشكل مطلق في أي مواجهة أو حرب تحصل في المنطقة سواء مع الشعب الفلسطيني أو مع أي دولة عربية. فليس فقط لم تعد هناك جبهة شرقية بعد تدمير كل من العراق وسورية، بل لم يعد هناك أمن عربي مشترك بحدوده الدنيا. والسؤال هو: ماذا نفعل أمام هذه الخسارة الجسيمة؟
لم يعد توجيه الانتقادات والهجوم السياسي على مواقف الدول والأنظمة المطبعة كافياً، بل هناك حاجة ملحة لإجراء حوار جدي هادئ ومنطقي مع الدول العربية كافة، بدءاً بالدول الأكثر تأثيراً مثل السعودية ومصر والأردن وبعض دول الخليج والمغرب العربي؛ أولاً لإظهار خطورة السير في التطبيع المجاني الذي لا طائل منه للسعي لمنع دول عربية من السير على خطى الإمارات. وفي نفس الوقت تحصين الجبهة الفلسطينية الداخلية بإنجاز الوحدة الوطنية بأي ثمن كأولوية قصوى، وليتذكر الفلسطينيون أن كل العالم، وفي المقدمة الدول الذاهبة نحو التطبيع، تستغل الانقسام الفلسطيني لتوجيه اللوم لنا، ولتبرير خطوات التطبيع والانفكاك من المواقف العربية المجمع عليها. وليكن اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، غداً، علامة فاصلة في وضع حد نهائي للانقسام، فلا أهمية لأي موضوع خلافي في ظل الاتفاق على أن القضية الوطنية تتعرض لأكبر خطر في تاريخها، ولا شيء يبرر الانقسام طالما أننا متفقون على مواجهة خطة ترامب ومشروع الضم والهرولة العربية للتطبيع مع إسرائيل. وفي نهاية المطاف، لن يتحقق السلام والأمن في هذه المنطقة من دون الفلسطينيين، فعاجلاً أم آجلاً سيتيقن الجميع أن هذه الحقيقة لم يكن ممكناً القفز عنها ولا يمكن أن تغطيها أي اتفاقات حتى لو شملت معظم الدول العربية. المهم أن يثبت الفلسطينيون أنفسهم أنهم على قدر المسؤولية وينتصرون لأنفسهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية