يشغل مخيم اليرموك ، موقعاً جغرافياً مهماً في مدينة دمشق. يقع في جنوبها، ويطل على طرق رئيسة تربط مدينة دمشق، بالطريق الرئيس تجاه درعا والجنوب من جهة، ويطل على جبل قاسيون، حيث القصر الجمهوري ومطار المزة العسكري.
نشأ مخيم اليرموك، في أوائل الستينيات، كمخيم صغير الحجم، وبرعاية « الأونروا »، وسرعان ما بدأ في النمو والاتساع، بعدما تدفق اللاجئون الفلسطينيون، القاطنون في أحياء دمشق التاريخية لشراء أراض زراعية فيه، وبأثمان بسيطة للغاية.
وبدأت ظاهرة تواجد مناطق، سرعان ما تحولت إلى أحياء، وبأسماء مناطق فلسطينية، كحي «اللوابنه»، نسبة إلى قريبة لوبيا في الجليل الأعلى، أو حي صفد، أو صفورية، أو الغوارنه.
فرض هذا النمو المتسارع، نفسه على السلطات السورية، كما «الأونروا»، وتحول إلى مركز سياسي وثقافي بامتياز، كان مركزاً للحركات السياسية الفلسطينية «فتح» و»الشعبية» وغيرهما من قوى. تنامى مخيم اليرموك، ليفرض نفسه، كمدينة مفترضة، من مدن مدينة دمشق، وأضحى مركزاً تجارياً مهماً ومميزاً، وارتفعت أسعار العقارات فيه، بشكل لافت للنظر، وقامت المحلات الكبرى في دمشق، ب فتح فروع لها في شوارع المخيم الرئيسة مثل شارع لوبيا وشارع صفد وغيرها.
شكل المخيم عامل جذب، لسوريين من مدينة دمشق، وغيرها من المدن، وخاصة من الشمال، الرقة والحسكة وغيرها من المدن، تنامى المخيم واتسع، وأصبح بجواره، أحياء كبيرة، مثل الحجر الأسود، والعروبة.
كان نمو المخيم، نمواً فوضوياً، ودون تخطيط مسبق، وكان هذا النمو، نموا تلقائيا، بعيداً عن التخطيط المدني.
شكل المخيم، في النسيج الاقتصادي ـ الاجتماعي، نسيجاً غير متجانس، وبات بعض أوساطه، يشكل خطراً مجتمعياً وأمنياً في آن معاً.
كان واضحاً للعيان، أن تطور المخيم ومآلاته، تسير نحو المزيد من الانهيار الداخلي، والمزيد من الإشكالات، على تنوعها.
وقعت الأحداث الداخلية في سورية، منذ ما يزيد على أربع سنوات، وعند بدئها، لم يتأثر المخيم، بل كان آمناً، وموئلاً للسوريين من القرى المجاورة، والمدن.
ابتعد الفلسطينيون، عن الأزمة، ولم يشكلوا طرفاً فيها، مستفيدين بذلك، من تجارب فلسطينية، سابقة. لم يصمد المخيم طويلاً، وسرعان ما بدأت أطراف سورية، وأخرى فلسطينية داخلية، في توريط المخيم بالأزمة السورية، لدرجة أصبح فيها المخيم بؤرة صراع، ومكان للحصار، لدرجة مات بها العشرات بل والمئات جوعاً، وتدمرت بنيته التحتية، وأضحى معظم أحيائه، غير قابل للسكن والعيش. هاجر معظم أهالي المخيم، ولم يبق إلاّ القليل منهم.
جاءت الأحداث الأخيرة، وتمكن «داعش» و»النصرة»، من السيطرة على 90% من جغرافية مخيم اليرموك، لترسم مرحلة قادمة وجديدة، في حياة مخيم اليرموك.
لعله من نافلة القول، إن معارك ضروسا ستدور في شوارع المخيم، وإن إغارات جوية متنوعة، ستطال أحياءه، وستحمل المزيد من الدمار والخراب.. والتهجير.
ستحمل تلك الأحداث ملامح مرحلة جديدة، سيكون معظم أحياء المخيم، مدمرا، وغير صالح للسكن، وبعدها سيكون المخيم، بحاجة ماسة لإعادة الإعمار.
لن يكون الإعمار، إعادة لما كان، بل سيكون ضمن خطط جديدة، تتناسب والمرحلة السياسية القادمة.
ما حدث في بيروت إبان الحرب الأهلية، وإلغاء مخيمات تل الزعتر وضبية وجسر الباشا، يذكرنا بشكل أو آخر، بما يحدث الآن، في مخيم اليرموك.
وما حدث في مخيمي صبرا وشاتيلا، إبان وبعد الغزو الإسرائيلي لبيروت 1982، يذكرنا أيضاً بما يحدث الآن في مخيم اليرموك، وما حدث في مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني، يؤكد ما نذهب إليه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية