2014/06/04
92-TRIAL-رغم كل الشكوك الريبة وعدم اليقين خرجت حكومة التوافق الوطني للعلن، وللمرة
الأولى منذ بدء الحوار الوطني لتوحيد الصف الفلسطيني وطي صفحة الانقسام
المعيب، الذي لطخ تاريخ الشعب الفلسطيني بوصمة عار تحتاج إلى وقت طويل حتى
تختفي أو تتلاشى جل آثارها المأساوية، ينجح الفلسطينيون في التقدم خطوة
مهمة إلى الأمام على طريق المصالحة الوطنية.هذه الخطوة شكلت صدمة كبيرة لإسرائيل التي كانت حريصة على إدامة وتغذية الانقسام بكل السبل الممكنة لأنها رأت فيه مصلحة حيوية، وكانت معنية بوجود أكثر من عنوان تمثيلي للشعب الفلسطيني حتى لو كانت فعلياً تفاوض منظمة التحرير المعترف بها دولياً وإسرائيلياً كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
ولكن الانقسام أتاح لإسرائيل أن تستخدمه كدليل للتشكيك بقدرة القيادة الفلسطينية على تطبيق اي اتفاق يعقد معها لعدم سيطرتها على غزة ، وعندما كانت إسرائيل تتعرض لانتقادات كانت تحاول صرف الأنظار عنها بادعاء أن الطرف الفلسطيني غير ناضج للتسوية السياسية.
هذا الادعاء سقط الآن، ولهذا بدا على إسرائيل الرسمية ارتباك شديد ولم تعد تعرف ماذا تفعل، فمنذ الإعلان عن اتفاق غزة وحكومة نتنياهو تحاول تجنيد المجتمع الدولي ضد الرئيس أبو مازن باعتباره اختار التحالف مع " حماس " المنظمة "الإرهابية" وأدار الظهر للشريك الإسرائيلي الذي يمكن أن يحقق معه الحل السلمي، وكأن أبو مازن أوقف العملية السياسية والمفاوضات الناجحة التي على وشك التوصل إلى الحل المنشود حتى يتفرغ للمصالحة مع "حماس".
ولكن الحملة الإسرائيلية باءت بالفشل لأسباب عديدة منها أن إسرائيل أوقفت المفاوضات بقرار منها عندما امتنعت عن تنفيذ التزامها بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، ويعلم العالم كله هذه الحقيقة وتحمل كل الأطراف إسرائيل المسؤولية عن الفشل بما فيها الولايات المتحدة التي أعلنت موقفها أكثر من مرة ولو بصورة خجولة ومتلعثمة.
وقد صرح الرئيس أبو مازن مراراً بأن المصالحة ليست على حساب المفاوضات وأنه مستعد للعودة للتفاوض إذا توفرت بعض الشروط مثل الإفراج عن الأسرى وتجميد الاستيطان والبدء بالتفاوض على الحدود لمدة ثلاثة شهور وبعدها يمكن الانتقال لمسائل أخرى، وثانياً لأن الحكومة الفلسطينية الجديدة هي حكومة تكنوقراط مكونة من شخصيات مستقلة ولا تعتبر حكومة "حماس"، أي لا توجد حاجة لاعتراف "حماس" بشروط الرباعية الدولية كما تطرح إسرائيل، كما أنها حكومة الرئيس وتتبنى برنامجه السياسي، وثالثاً لأن الوحدة الفلسطينية كانت مطلباً دولياً كما هي حاجة فلسطينية لتهيئة المناخ للسلام عندما تكون الفرصة سانحة.
هناك قسم مهم في النخب الإسرائيلية يرى أن حكومة نتنياهو فشلت في معركتها ضد القيادة الفلسطينية، وكل محاولات نزع الشرعية عنها وخاصة عن الرئيس أبو مازن وصلت إلى طريق مسدود بسبب الموقف الدولي وبالذات موقف الولايات المتحدة الذي عبر عنه وزير الخارجية جون كيري في اتصاله بالرئيس أبو مازن، وأوضحته الناطقة باسم الخارجية جان ساكي التي قالت بجلاء أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الحكومة الفلسطينية وأنها لن توقف تحويل الأموال للفلسطينيين في هذه المرحلة، على اعتبار أن الحكومة التي شكلها أبو مازن هي حكومة فنية مؤقتة ولا يوجد بها وزراء من "حماس".
ويرى بعض المحللين أن نتنياهو بتهديداته للجانب الفلسطيني ظهر بصورة سلبية للغاية، حتى أن أفيغدور ليبرمان وزير خارجيته انتقده على تهديداته الجوفاء.
والارتباك الإسرائيلي ظهر في أبشع صورة عندما عقد المجلس الوزاري السياسي الأمني جلسة طارئة لم يستطع فيها الخروج بموقف ينسجم مع التهديدات ولو بصورة جزئية، والصيغة التي خرج بها والتي تنص على تخويل رئيس الحكومة نتنياهو باستخدام العقوبات ضد الفلسطينيين هي صيغة تدل على عدم قدرة على اتخاذ قرار.
ولم يستطع المجلس المصغر الموافقة على اقتراحات متطرفة مثل ضم مناطق فلسطينية أو الإعلان عن خطط للبناء المكثف في المناطق المحتلة، ولو أن هذا هو توجه الحكومة، والسبب هو الخوف من ردود الفعل الدولية، ويقال أن تحذيرات شديدة وصلت إسرائيل من الإدارة الأميركية ومن الاتحاد الأوروبي.
والخوف الإسرائيلي من حكومة الوحدة أو التوافق الفلسطينية يمتد إلى البعد الإستراتيجي المرتبط بنظرة إسرائيل للتسوية القادمة، فلو كانت حكومة نتنياهو تمنح فكرة السلام والحل الدائم أدنى اهتمام لما كانت تحتج على حكومة فلسطينية موحدة يمكن ان تخدم هذه الفكرة، ولكن لأنها تفكر فقط في المواجهة القائمة على فشل العملية التفاوضية المرتبط بالخطوات أحادية الجانب التي تقوم بها وخاصة استمرار البناء الاستيطاني، محاولات فرض حل من طرف واحد بالاستناد إلى الواقع القائم على الأرض، فهي ترى في مجرد توحد الفلسطينيين في مواجهة إجراءاتها خطراً عليها لأن هذا يعزز الموقف الفلسطيني دولياً بعد الاعتراف بالحكومة وفي لحظة أن يقرر الفلسطينيون الذهاب إلى الأمم المتحدة، في وقت تزداد فيه عزلة الحكومة الإسرائيلية ويظهر فيه رئيس حكومتها عاجزاً ليس أمام العالم بل أمام شعبه وبعض أركان حكومته.
الفشل الإسرائيلي هذا وإن كان يثلج قلوب الفلسطينيين الذين تمنوا الوحدة وسعدوا بأولى خطواتها يجب ألا يصرف الأنظار عن العقبات والمخاطر والتحديات الكبيرة التي تواجه عملية المصالحة والوحدة، فهناك عقبات وصعوبات داخلية تتمثل في عملية تغيير الوضع القائم بعد سبع سنوات من الانقسام، وربما أيضاً رغبة بعض الأطراف في الحفاظ على مكاسب اقتصادية وسياسية تحققت خلال السنوات الماضية وبالتالي منع توحيد السلطة الفعلي أو إعاقة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بعد ستة شهور كحد أقصى، وهناك مخاطر من جانب إسرائيل التي قد تستخدم الأمن ورقة لخلط الأوراق وإعادة العجلة إلى الوراء من خلال استهداف غزة ومحاولة جر الفصائل الفلسطينية إلى حرب معها، وهذا يتطلب درجة عالية من الوعي والتصميم على إنجاح المصالحة مهما كان الثمن إذا كنا فعلاً نفكر في المصلحة الوطنية. 61
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية