لن تنسحب حركة حماس من المعبر، النتيجة أنه سيظل مغلقاً، لا يهم هنا أن يبقى مليونان من البشر أسرى في هذا القطاع البائس بانتظار سحب الحركة لموظفيها كما يشترط المصريون، وأضيف إليهم العالم الذي ربط الإعمار بتسلم السلطة للمعابر، ولا أعرف لماذا الإصرار على السيطرة على معبر مغلق بشكل كلي، ولماذا لم تناور الحركة في هذا الموضوع وتسلم مفاتيحه لحكومة الوفاق، فإذا فتح المعبر فقد تكون قد قدمت خدمة كبيرة لشعبها، وإذا استمر مغلقاً تكون قد ألقت عن كاهلها مسؤولية استمرار إغلاقه وردت الاتهامات.
ومن الواضح أن السلطة أيضاً ليست متحمسة لاستلام معبر رفح ، وقد قيل في أحاديث مغلقة أنها لا توافق على إرسال بعثة من حرس الرئيس لإدارة المعبر فقط دون أن تكون لتلك الوحدة قوات كافية في القطاع تضمن استقلال عملها بعيدا عن الخضوع لميزان قوة يميل بشكل كلي لصالح حماس حيث أجهزتها الأمنية والعسكرية، إذن القضية أعقد مما نتخيل.
ولن تسلم «حماس» المعبر قبل الاتفاق على دمج الموظفين الذين يشكلون أزمة الحركة الكبرى والتي دفعتها للمصالحة على أمل التخلص من هذا العبء الكبير، لكن السلطة لم تسارع بحل تلك القضية وبقيت عالقة، وبالتالي فإن في التفاصيل ما هو أكبر من استسهال الأمر مع الرغبة بإنجاح عملية الدمج وخصوصا في القطاعات الخدمية والشرطة، لأنه لا يهم المواطن انتماء الطبيب السياسي أو الشرطي الذي ينظم المرور.
ولن تسلم «حماس» سلطة الطاقة العاجزة بامتياز عن إيجاد حلول للكهرباء ولا يهم أن تغرق غزة لسنوات في الظلام أو يحترق الناس بالشموع أو يدرس الطلاب نصف ما عليهم أو يقتلهم البرد والحر لا يهم، المهم أن تبقى مسيطرة ولو بفشل على المؤسسة، وللتذكير فقد ضربت إسرائيل محطة التوليد قبل ثماني سنوات وبعد انقلاب «حماس» استمرت الخدمة بشكل معقول حين كانت الكهرباء تنقطع يوم نهاراً ويوم ليلاً واليوم الثالث وصل لـ 24 ساعة، وفجأة أفقنا ذات صباح على خبر سيطرة الحركة على سلطة الطاقة وبدأت الأزمة وسنوات من الاتهامات عن المسؤولية بين غزة و رام الله .
والحقيقة أن السيطرة على سلطة الطاقة آنذاك كانت له أسباب مالية، فقد بدأ الوقود المصري بالتدفق وكان فارق السعر بين الوقود الاسرائيلي والمصري يقارب دولاراً واحداً للتر، ولأن المحطة تستهلك حوالي أربعمائة ألف لتر يومياً فإن في فارق الشهر ما يؤمن للحكومة بغزة جزءاً من مصروفاتها، لكن هذا توقف الآن، فلماذا تصر الحركة على استمرار السيطرة على سلطة الطاقة مع استمرار تردي الخدمة وزيادة ساعات الانقطاع ليصبح خبر المصالحة يعني زيادة ساعتين من الكهرباء وتصبح تلك الساعتان مدعاة للاحتفال كأننا في العصر الحجري.
لقد وعدتنا حركة حماس منذ سنوات بكسر الحصار وانتظرنا طويلاً، ولأنها فشلت في تحقيق وعدها عليها أن تجد لنا حلا لمشاكل القطاع، ولا نكتب ذلك فقط لتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، بل لأن أزمات غزة بدأت مع بدء سيطرتها على غزة، نحن نربط ما بين تلك السيطرة وتزامن إغلاق المعابر وبدء الحصار الذي ما زال منذ ثماني سنوات، وبالتالي عليها أن تقدم ما يكفي من التنازلات لتفتح الطريق أمام حياة مختلفة لسكان القطاع الذين تحملوا معها وبسببها ما يكفي من الآلام، فقد كانت الرحلة طويلة وشاقة آن الأوان أن تنتهي لا أن تستمر لثماني سنوات أُخرى.
الأزمة أن السلطة و»حماس» ما زالتا بعيدتين عن التوافق ليس فقط سياسياً، هذه أم الأزمات، بل على طبيعة السيطرة على غزة، فالحركة تريد سلطة شكلية وبشكليتها تلك تتحمل مسؤولية إنهاء كل أزمات قطاع غزة بالرغم من أن ما هو موجود للسلطة في غزة هو فقط أربعة موظفين بدرجة وزير، وبالمقابل فإن السلطة تريد أن يكون لها تواجد فعلي في غزة وتربط خدماتها بتلك السيطرة، ولا أعتقد أن الوفود التي ترسلها ليست سوى أكثر من مجسات لمعرفة مدى تسليم «حماس» بذلك وتلك هي الأزمة الجديدة.
ما يصدر عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة هو مؤشر على حديث أكثر جدية بأن إعادة الإعمار مرهونة بثلاثة شروط؛ وهي تسلم السلطة للمعابر وتمكينها في قطاع غزة، وهدنة طويلة الأمد حتى يتم ضمان ألا يتم تدمير ما يتم إعماره في حرب قادمة، وشرط الهدنة يجري من خلال حوارات تجريها أطراف عربية وأوروبية وحتى ممثل الأمين العام نفسه، ويبدو أن الأمور في طريقها للنضوج حسب ما يتسرب، أو أنها بانتظار إجماع من حركة حماس التي تلقى صعوبة في توحيد القرار نظراً لتوزع قيادتها في أكثر من مكان.
إن في تعاطي «حماس» بمرونة مع هذه المتطلبات يشكل حلاً فعلياً لأزمات غزة المتراكمة بلا مخرج بالرغم من كل المحاولات السابقة والتي فشلت جميعها، فلا تظاهرات الشموع وفرت الكهرباء ولا الحروب فتحت المعابر، وفي استجابتها ما يؤمن فتح المعابر والبدء بالإعمار وبناء الميناء والمطار وهو مطلب وطني، لكنه يخضع لهاجس الخوف في ظل الانقسام خشية تشكل دولة غزة، ما يجعلنا غير قادرين على دعمه بل ونعارضه بالرغم من حاجتنا الملحة، لكن المخاوف أكبر في ظل حديث إسرائيلي متكرر من سياسيين ومراكز دراسات ونخب فكرية تدفع بهذا الاتجاه.
وما ينزع تلك المخاوف فقط أن تنتهي أزمات غزة في إطار التوافق الوطني لا في ظل حكم «حماس» وحدها، وعلى «حماس» أن تعيد قراءة التجربة في غزة طوال السنوات الماضية فقد تعثرت، وإن ثماني سنوات هي فترة زمنية تكفي لقراءة الظاهرة السياسية واستخلاص النتائج وأنه دون ذلك يعني سنوات طويلة أخرى من المعاناة دون مراهنة على الخارج وتحولاته والتي تحدث إزاحة كبيرة في أسابيعها الأخيرة عن القضية الفلسطينية وعن غزة، ولا تحمل بشرى كبيرة لحركة حماس مع عودة مصر لدورها التاريخي في قيادة الأمة بعد أحداث اليمن التي جعلت الخليج يهرع للقاهرة، وبالتالي عليه الاستجابة لشروطها.
لقد تشكلت لجنة بعد زيارة رئيس الوزراء لغزة لم نسمع حتى اللحظة ما الذي تم، لقد حصلت اندفاعة جيدة في الزيارة الأخيرة يخشى أن تتراجع وتصاب بانتكاسة جديدة .. على «حماس» أن تدرك أن عليها مسؤولية، فالتنظيم الذي دفع الآلاف من أعضائه شهداء من أجل حرية شعبه يجب ألا يكون عائقا أمام حرية هذا الشعب، لا نبرئ السلطة من تهمة اللامبالاة ولا مصر من مسؤوليتها التاريخية، فدورها تجاه القطاع أكبر من معبر وأكبر من معاقبة الناس بسبب مناكفة مع حركة حماس، ولكن مَن صنع الأزمة بغزة عليه تقديم حلول ..»حماس» هي التي صنعتها ...!
Atallah.akram@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد