سأستغرب كثيراً إذا مرّ هذا العام، أو على الأقلّ ظهرت بوادر نهائية حول مصير الرئيس دونالد ترامب، دون أن تقع الحرب الإقليمية التي "طال" انتظارها، وتعددت الرؤى والتوقعات بشأنها.
وكنتُ سأستغرب أكثر لو وقعت هذه الحرب قبل تدهور وضع الرئيس ترامب وصديقه نتنياهو، ووصولهما إلى طرقٍ مسدودة، وأزمات تكاد تطبق على أنفاسهما.
عندما كان الاقتصاد الأميركي يبدو وكأنه يعيش مرحلة من النشوة والصعود، بالمؤشرات التي يمكن استثمارها على الصعيد الانتخابي على الأقلّ، وعندما كان نتنياهو يعيش "أجمل" أيام حياته السياسية وهو يستقبل غريمه غانتس للاتفاق على حكومة مريحة، ورابحة لليمين، ومطيّة لأنصار الضمّ وغلاة المستوطنين، كان من غير الممكن، ولا الضروري أن تتطور الأمور باتجاه تلك الحرب، لأن المراهنة على إسقاط "القلعة" من داخلها كان له ما يبرره ويزكّيه، وكان من "المنطقي" و"العقلاني" والعملي على حدٍّ سواء انتظار مفاعيل العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية على إيران والتي بدت في حينه، وما زالت إلى الآن تحدث خلخلة كبير، في بنية النظام السياسية، تماماً كما بدت تفقده الكثير من هوامش الحركة والمناورة، وأصبحت تلقي بظلالها على استقراره وتماسكه.
لم يكن في الواقع حتى الشهرين الأخيرين من ضرورة ولا حاجة لتصعيد الأمور مع إيران إلى ما هو أبعد من الانتقال من مرحلة الضغوط والحصار والعقوبات إلى مرحلة إطباق الحصار، ودفع الضغوط إلى أقصى الحدود، وتشديد العقوبات إلى درجة خوض معركة سياسية ودبلوماسية ضارية لفرض الالتزام الدولي بها تحت طائلة التعرُّض للعقاب الأميركي.
إلى هنا كانت أمور الرئيس ترامب وزميله تسير على خير ما يُرام، وكانت "الأشيا معدن" كما يقول المصريون.
أما كيف انقلب السحرُ على الساحرين فقد عايشنا الأحداث، وتتبعنا مسارها، والنتائج التي أدت إليها، ووصلنا اليوم إلى أزمة في الحاضر تغلق الطريق على المستقبل أو تكاد.
بقي للرئيس ترامب أكثر قليلاً من ثلاثة أشهر "لإنقاذ" اقتصاد متعثر، وقطاعات منهارة بكاملها، وغضب شعبي عارم من السلوك العنصري، وفشل شامل في كل ملفات السياسة الخارجية، وأزمة صحية غير مسبوقة ما ان تتعافى منها ولاية أو ولايتان حتى تنفجر في أربع أو خمس ولايات أخرى.
في نفس هذا الوقت يزداد الديمقراطيون في الولايات المتحدة تماسكاً، ويكسبون يومياً مساحات جديدة في خارطة الانتخابات القادمة، وتلتف "الأقليات" حول الحزب الديمقراطي كما لم تلتف في يوم من الأيام.
خسر الرئيس ترامب مكابراته حول "الفيروس" إلى درجة أن رئيسة مجلس النواب باتت تسمّيه بـ "فيروس ترامب"، بعد أكثر من أربعة ملايين مصاب وأكثر من مائة وأربعين حالة وفاة.
أما الطامة الكبرى فهي تخلخل الإجماع "الجمهوري" عليه، والأحاديث المتواترة والمتصاعدة عن عدم اهليته لقيادة الولايات المتحدة لفترة رئاسية ثانية، وإلحاق خسائر فادحة بالمجتمع والاقتصاد الأميركي جراء سياساته المتهوّرة، ناهيكم طبعاً عمّا ألحقه بسمعتها من أضرار لا تعدّ ولا تحصى.
أما زميله في إسرائيل فقد خلّف وراءه أكثر من مليون ونصف المليون من العاطلين عن العمل كلياً أو جزئياً، وانهارت قطاعات مؤثّرة، وقادت سياساته الـ "كورونية" إلى موجات من الاحتجاج عابرة للحزبية، وجُلّها من قطاع الشباب، وهي مُرشّحة للتمدد والاتساع نحو تجمعات جديدة، وقطاعات مختلفة، ويتعمق محتواها من تحميل نتنياهو المسؤولية المباشرة عمّا آلت إليه الأوضاع، إضافةً إلى تحميل كل الطبقة السياسية في إسرائيل مسؤولية استشراء الفساد والتلاعب بحاضر ومستقبل الأجيال الشابة في إسرائيل.
وهنا بدأت تتهاوى شعبيته وشعبية حزبه، وأصبح ترك هذا المسار دون تأثير أو توجيه أو تدخل ليس سوى الوصفة المضمونة للتدهور والسقوط المحتوم حتى قبل بدء المحاكمة على تهم خيانة الأمانة، وتلقّي الرشى وكل الشبهات القوية بالفساد والتلاعب السياسي وممارسة التدليس والكذب، إضافةً إلى محاولات تفصيل "الديمقراطية" الإسرائيلية على مقاسه الخاص، ومقاس مصالحه الخاصة ومصالح عائلته وحواشيها.
فهل سيستسلم الرجلان للقدر المحتوم أم ان لديهما ومعاً مخارج يمكن اللجوء الأخير إليها في اللحظة الأخيرة، وقبل فوات الأوان؟
في أغلب الظنّ نعم لديهما مثل هذه المخارج!
يمكن لهما تصوُّر الخروج من أزمتيهما بشنّ الحرب على إيران، خصوصاً وأنهما باتا على "يقين" بأن العقوبات الاقتصادية قد أحدثت الكثير من الانهاك الاقتصادي للدولة الإيرانية، وأنها لم تعد في وضع يمكنها من الصمود مُطوّلاً في وجه حرب سيكون عنوانها الرئيسي استخدام أقسى الضربات "الاستراتيجية" بأعلى تكنولوجيا عسكرية، وأحدث الأسلحة الموجّهة عن بعد، والتي ستنطوي حتماً على مفاجآت كبيرة وتحدث أضراراً هائلة.
وبالعودة إلى التركيبة الذهنية والنفسية لكلا الرجلين ويمكن الاستنتاج أن مغامرةً من هذا النوع ربما تكون "المخرج" "المناسب" لهما.
إذ لا يبدو أنهما يعيران أي اهتمام أو اكتراث باللعبة "الديمقراطية"، وأنهما مستعدان أن يدوساها بأقدامهما إذا كان الثمن هو عودتهما إلى رأس السلطة أو تأجيل الهزيمة، أو ربما المراهنة أن تكون الحرب هي الخشبة السحرية لإنقاذهما.
واستناداً إلى كل الدلائل المتوفرة حيال هذه المسألة بالذات، فقد عمل نتنياهو على مدار أكثر من سنتين متتاليتين على ضرب التواجد الإيراني في سورية بدأبٍ ومثابرة، وقام بعمليات تفجير لمناطق حسّاسة في إيران، وحاول بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة أحياناً منع وصول أو تصنيع الصواريخ الدقيقة لدى "حزب الله"، وعملت أجهزته الاستخبارية على اختراق الأرشيف النووي الإيراني، واغتيال العلماء الأكثر خطورة في مجال النشاط النووي وتقنيات صناعة الصواريخ، بإشراف تام من قبل الولايات المتحدة وبمشاركة وتنسيق كاملين مع وكالة الاستخبارات الأميركية.
ويمكن الاستنتاج هنا أن هذا كله لم يكن سوى المرحلة التحضيرية للحرب في "الوقت المناسب".
إذا لم تقم الحرب حتى نهاية العام، وسقط نتنياهو، أو سقط ترامب فإن حرباً من هذا النوع لن تقع أبداً، وأن التفاهم أو إعادة التفاهم معهما هو الاحتمال الأقوى.
فهل يمكن أن يقبل نتنياهو وزميله ترامب هذه النتيجة، أم ان الحرب أصبحت على جدول الأعمال؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية