يومَ رفضت أسماء بيع قصتها 'بشيكل' جابَت نصوصها العالم

اسماء أبو تيلخ

ذات صباح انطلَقت "أسماء" بعد سلسة أيامٍ قضتها في كتابة قصة للأطفال إلى إحدى مكتبات قطاع غزة ، تعرض عليهم شراءها مقابل مبلغٍ مالي خالته "كبيرًا"، الفتاة لم تفارق وجهها البسمة طوال الطريق، كيف لا؟ وهي اليوم ستشق طريقها في الكتابة ببيع أول منتوجٍ قصصي أدبيٍ لها، فرّغت لأجله جهدها ووقتها وعصارة أحلامها والشغف.

وصلت الفتاة، فبدأت حديثها ببعض الارتباك، كانت تريد أن تخبر العالم كله بأن هذه الأوراق بين يديها "قصة" كتبتها هيَ "أنا هي الكاتبة التي تحلم كثيرًا بأن يكون اسمها على الكثير الكثير من الأغلفة التي تدور العالم قاطبة"، إلا أن ما قاله صاحب المكتبة، كأنما قلب على رأسها طاولة الحلم: "هاي القصة باخدها منك بشيكل، شايفة هداك الرف، كل القصص اللي عليه بتنباع عندي بشيكل".

عادت الفتاة أدراجها، وهي تسأل نفسها عن الحالة الثقافية التي وصل إليها قطاع غزة، حملت عيونها المثقلة بالدموع إلى مكانٍ فسيح تفكر فيه بحل، فاهتدت إلى فكرة.

تطبيقٌ خاص، يُمكِّنها من بيع قصصها ورواياتها بثمنٍ يستحق الوقت والجهد الذي بذلته فيها، "أنا عربي" كان اسمه، بدأت تنشر فيه النصوص التي ازداد عدد قرائها شيئًا فشيئًا، هكذا حتى بدأت تروج عبره الأعمال الأدبية والروائية.

بدأ شغف أسماء مع القصص، عندما كان والدها –خلال رحلاته إلى جمهورية مصر العربية- يجلب لها القصص والروايات، بعد أن شعر بقوة موهبتها، وحبها لاقتناء الكتب "لدرجة أنني كنتُ أترك كتبي خلال فترة الاختبارات المدرسية، وأتوجه لقراءة القصص، وهذا كان غالبًأ يُغضب أمي كثيرًا" تقول الشابة البالغة من العمر (32 عامًا).

في كثيرٍ من المرات كانت أسماء تُخل باتفاقاتها مع أمها، وتبدأ بقراءة الكتب الخارجية، حتى أنها في مرةٍ من المرات تركت أحد دفاترها خارج الدرج، لتعود فتجد أمها مندهشة لقوة ما كتبته فيه من معاني، هنا بدأت تشجعها على الكتابة، وتحفزها على استغلال أوقات فراغها فيها.

ليست أمها وحسب، بل معلماتها في المدرسة أيضًا وزميلاتها، كنّ يطلبن منها كتابة الخواطر أو الرسائل وحتى التهاني للصديقات الأخريات حسب قولها.

بعد أن أنهت أسماء دراستها الثانوية، بدأت دراسة تكنولوجيا المعلومات (IT) في الجامعة الإسلامية عام 2006م، وهنا انقطعت عن الكتابة فترة، كان التخصص صعبًا وكان لا بد من التفرغ، وبعد تخرجها من الجامعة عام 2010م انخرطت في سوق العمل لتنفيذ عدة مشاريع.

لكن كل الفرص كانت لا تلبي "الطموح"، حتى جاء العام 2014م، وبدأت طائرات الاحتلال الإسرائيلية تقصف غزة خلال حربٍ استمرت 51 يومًا، كانت أسماء تحاول استعادة قدرتها على الكتابة، فكتبت الكثير عن مشاهد خوف الأطفال، وبعضًا من قصص الشهداء أبناء عائلتها، وكانت تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي نصوصها التي كانت تلقى تفاعلًا ومشاركة.

بعد الحرب، حملت كل النصوص إلى إحدى دور النشر والطباعة بغزة، لعلها تأخذ منها ما كتبتهُ بدموع الفقد حينذاك، ففوجئت بالنظرة المادية لصاحبها، وشروطٍ كثيرةٍ جدًا كل هدفها تحقيق الربح فقط "هذا جعلني أرفض العرض جملةً وتفصيلًا" والتفكير فعليًا بمشروعي الخاص.

نهاية عام 2014م، بدأت الشابّة بتنفيذ مشروع "أنا عربي"، الذي كان يهدف للحفاظ على الثقافة العربية وترسيخ جذور القضية الفلسطينية، وكان يستهدف بالدرجة الأولى الجاليات العربية في الدول الأجنبية، من خلال قصصٍ للأطفال وأخرى تتحدث عن التراث والتاريخ وعن فلسطين.

وتضيف: "ما يميز مشروعي أنه يُغطي نقص الإنتاج العربي في مجال قصص الأطفال والكرتون، وبالفعل، نجحنا، ووصلنا لآلاف المشتركين، وبمردودٍ ماليٍ أفضل بكثير من الوظائف التي كنت أعمل بها، ومن خلال المشروع، حصلنا على العديد من الجوائز والمنح، منها منحة مبادرون 2 وجائزة التميز والإبداع وغيرها".

وتزيد وهي بقمة الفرح على ما حققته: "مشروع أنا عربي أحدث نقلةً نوعية، ونقلني لمرحلة مهمة تعاقدت فيها مع مؤسسة التمكين العالمية على مشروعٍ مشابه، حيث سأكتب فيه سلسلة قصص أطفال توثق قصص أشراف النساء في التاريخ العربي والإسلامي، وستعمل تلك المؤسسة على تسويق وإنتاج تلك القصص بأكثر من لغة، والأن بدأت في سلسة ثانية من القصص، هي عبارة عن 7 قصص وسيتم إطلاق هذا المشروع قريباً".

ملاحظة: هذه المادة هي مخرج تدريبي لدورة "فن كتابة القصة الصحفية" التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة/ يونيو- حزيران- 2020م.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد